فسكت وقد اشرأبوا إليه وجثوا على الركب، وتناولوا الحصى ليقذفوه بها ويخرجوه عنهم - قال: وقد كانوا حصبوا عاملاً قبله فخرج عنهم - فسكت سكتة أبهتهم بها، وأحبوا أن يسمعوا كلامه. قال: فكان بدء كلامه أن قال: يا أهل العراق، يا أهل الشقاق، ويا أهل النفاق، والله إن كان أمركم ليهمني قبل أن آتيكم، ولقد كنت أدعو الله أن يبتليكم بي وأن يبتليني بكم، فأجاب دعوتي. ألا إني أسريت البارحة، فسقط مني سوطي فاتخذت هذا، - وأشار إليهم بسيف مكانه - فوالله لأجرنه فيكم جر المرأة ذيلها، ولأفعلن ولأفعلن. قال يزيد: حتى رأيت الحصى متساقطاً من بين أيديهم. قال: قوموا إلى بيعتكم. فقامت القبائل قبيلة قبيلة تبايع فيقول: من؟ فتقول: بنو فلان. حتى جاءته قبيلة قال: ومن؟ قالوا: النخع. قال: منكم كميل بن زياد؟ قالوا: نعم. قال: ما فعل؟ قالوا: أيها الأمير، شيخ كبير، قال: لا بيعة لكم عندي ولا تقربون حتى تأتوني به، قال: فأتوه به منعوشاً في سرير، حتى وضعوه إلى جانب المنبر. فقال: ألا إنه لم يبق ممن دخل على عثمان الدار غير هذا، فدعا بنطع فضرب عنقه.
قال أبو بكر الهذلي: حدثني من شهد الحجاج بن يوسف حين قدم العراق، فبدأ بالكوفة قبل البصرة، ونودي للصلاة جامعة، فأقبل الناس إلى المسجد والحجاج يتقلد قوساً عربية، وعليه عمامة خز حمراء متلثماً، فقعد وعرض القوس بين يديه، ثم لم يتكلم حتى امتلأ المسجد. فقال محمد بن عمير: فسكت حتى ظننت أنما يمنعه العي، وأخذت في يدي كفاً من حصى، أردت أن أضرب به وجهه، قال: فقام فوضع نقابه، وتقلد قوسه، وقال:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني
إني لأرى رؤوساً قد أينعت، وحان قطافها، كأني أنظر إلى الدماء بين العمائمواللحى.