قال عوانة: خطب الحجاج الناس بالكوفة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل العراق، تزعمون أنا من بقية ثمود! وتزعمون أني ساحر! وتزعمون أن الله عز وجل علمني اسماً من أسمائه، أقهركم وأنتم أولياؤه بزعمكم! وأنا عدوه! فبيني وبينكم كتاب الله تعالى، قال عز وجل:" فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه ". فنحن بقية الصالحين إن كنا من ثمود. وقال عز وجل:" إن ما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ". والله أعدل في حكمه أن يعلم عدواً من أعدائه اسماً من أسمائه يهزم به أولياءه. ثم حمي وكثر كلامه فتحامل على رمانة المنبر فحطمها، فجعل الناس يتلاحظون بينهم وهو ينظر إليهم فقال: يا أعداء الله، ما هذا الترامز! أنا حديا الظبي السانح، والغراب الأبقع، والكوكب ذي الذنب. ثم أمر بذلك العود فأصلح قبل أن ينزل من المنبر.
قوله: أنا حديا الظبي. أراد، إنا لثقتنا بالغلبة والإستعلاء نتحدى ارتفاع الظبي سانحاً، وهو أحمد ما يكون في سرعته ومضائه، والغراب الأبقع في تحذره وذكائه ومكره وخبثه ودهائه، وذا الذنب من الكواكب فيما تنذر به من عواقب مكروه بلائه. والله ذو البأس الشديد بالمرصاد له ولحزبه وأوليائه.
قال أبو حفص الثقفي: خطب الحجاج يوماً فأقبل عن يمينه فقال: إن الحجاج كافر، ثم أطرق فقال: إن الحجاج كافر ثم أطرق وأقبل عن يساره فقال: ألا إن الحجاج كافر. فعل ذلك مراراً ثم قال: كافر يا أهل العراق باللات والعزى.
قال أبو شوذب: ما رئي مثل الحجاج لمن أطاعه، ولا مثله لمن عصاه.
قال الأصمعي: مثل فتى بين يدي الحجاج فقال: أصلح الله الأمير، مات أبي وأنا حمل، وماتت