فغادرها رهناً لديها لحالب ... يردّدها في مصدر ثم مورد
فلما سمع حسان بن ثابت الأنصاري الهاتف يهتف، أنشد يجاوب الهاتف ويقول:
لقد خاب قوم زال عنهم نبيّهم ... وقدّس من يسري إليهم ويغتدي
ترحّل عن قوم فضلت عقولهم ... وحلّ على قوم بنور مجدد
هداهم به الضلالة ربهم ... وأرشدهم. من يتبع الحق يرشد
وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا ... عمايتهم هاد به كل مهتدي
وقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مسجد
وإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد
ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
قال حزان: أرسل عمر بن عبد العزيز إلى أبي يوماً، فدعا أبي براحلة له فركب عليه، وأنا إذ ذاك غلام أعقل الكلام، فدعاني أبي فحملني خلف رجله، فخرجنا حتى إذا نحن بعمر بن عبد العزيز في جماعة من أصحابه. فسلم عليه أبي بالخلافة، فرد عليه عمر السلام. ثم قال له عمر: يا أبا حزام، أين نحن من القوم؟ فقال له أبي: كل يعمل على شاكلته، أشهد يا عمر بن عبد العزيز، لأرسل إلي عمر بن الخطاب في منزلك هذا، فرأيته في جماعة من أصحابه نزل عن راحلته، ثم حط رحله، ثم قيد راحلته كرجل من أصحابه، ثم حس ركاب القوم فوجد فيها راحلة مقارباً لها من قيدها، فأرخى لها عمر بن الخطاب، ثم أقبل يتغيظ، قال: بئس الغيظ في وجهه فقال: أيكم صاحب الراحلة، فقال رجل من القوم: أنا أمير المؤمنين. قال: بئس ما صنعت، تبيت على فؤاده تضرب صدره، حتى إذا حان رزقه جمعت بين عظمين من عظامه، فهلا كنت فاعلاً هذا يا عمر بن عبد العزيز! فبكى عند ذلك عمر بن عبد العزيز بكاء شديداً.