كان بعض أهل بعلبك يتهم أبا محمد بمذهب الروافض، فحدث أنه رأى في جمادى الأول سنة وأربعين وخمس ومئة، كأن الحاجب عطاء في الميدان الأخضر، خارج باب همذان ببعلبك، وحوله من جرت العادة بحضورهم، وهو في جملة الناس، وكان قد أتي ببساط، فبسط له، وطرح عليه طراحة فجلس عليها، فإذا بأربعة مشايخ قد حضروا، فجلس اثنان عن يمين الحاجب عطاء، واثنان عن شماله بعد أن سلموا عليه وأقبلوا بوجوههم إليه، وكأنه قد أتي بكرسي شبيه بكرسي الوعظ، فأخذوا بيد الحاجب ورفعوه عليه، فلما استقر على الكرسي حمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالتأم في الميدان خلق لا يحصى، فقال:" معاشر الناس، الدنيا فانية والآخرة باقية ". فدخلت ريح تحت الكرسي فرفعته، ثم تكلم بكلام لم أحفظه، والناس يضجون بالدعاء ويكثرون البكاء، ثم نزل الكرسي، وأنزل الحاجب عنه، فقعد دون المرتبة، وجلس الشيوخ عليها. فسألت بعض الشيوخ عن أحدهم فقال: هذا هو المشرع، وأومأ بيده إلى رجل حسن الصورة، ثم أخذ بيدي فقال: مدّ يدك فصافحه، فصافحته ثم قلت: يا شيخ، - للذي سألته - من هؤلاء القوم؟ فقال: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وهذا محمد بن إدريس الشافعي. فما استتم كلامه حتى حضر شيخ عليه سكينة ووق (ار، فنهضوا له ورفعوا قدره، فسألت الشيخ عنه فقال: هذا علي بن أبي طالب. فأومأ المشرع إلى الحاجب عطاء، فتقدم إليه، ثم تحدث معه فالتفت إلي وقال: يا فلان، ألم تقل: إن هؤلاء القوم كانوا مختلفين بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: بلى. فأومأ إليهم فقال: ألم يكن كذلك؟ فقالو بأجمعهم: لا. ثم