أحاديث أدخل إسناداً منها في إسناد، فرده الحسن إلى الصواب. فلما كان بعد ساعة أدخل أيضاً إسناداً في إسناد، فرده إلى الصواب، فلما كان في الثالثة قال له الحسين: ما هذا! لا تفعل، فقد احتملتك مرتين، وهذه الثالثة، وأنا ابن تسعين سنة، فاتق الله في المشايخ، فربما استجيبت فيك دعوة. فقال أبو بكر محمد بن إسحاق: لا تؤذ الشيخ. فقال أبو بكر: إنما أردت أن يعلم الأستاذ أن أبا العباس يعرف حديثه.
حدث الفقيه أبو الحسن الصفار قال: كنا عند الشيخ الإمام الحسن بن سفيان النسوي، وقد اجتمع لديه طائفة من أهل الفضل ارتحلوا إليه من أطباق الأرض، مختلفين إلى مجلسه لاقتباس العلم، وكتبة الحديث، فخرج يوماً إلى مجلسه الذي كان يملي فيه الحديث فقال: اسمعوا ما أقول لكم قبل أن نشرع في الإملاء، قد علمنا أنكم طائفة من أبناء النعم وأهل الفضل، هجرتم أوطانكم وفارقتم دياركم وأصحابكم في طلب العلم واستفادة الحديث، فلا يخطرن ببالكم أنكم قضيتم بهذا التجشم للعلم حقاً، أو أديتم بما تحملتم من الكلف والمشاق من فروضه فرضاً، فإني أحدثكم ببعض ما تحملته في طلب العلم من المشقة والجهد، وما كشف الله سبحانه وتعالى عني وعن أصحابي ببركة العلم وصفوة العقيدة من الضيق والضنك.
اعلموا أني كنت في عنفوان شبابي ارتحلت من وطني لطلب العلم واستملاء الحديث، فاتفق حصولي بأقصى المغرب وحلولي بمصر في تسعة نفر من أصحابي طلبة العلم وسامعي الحديث، وكنا نختلف إلى شيخ كان أرفع أهل عصره في العلم منزلة، وأدراهم للحديث، وأعلاهم إسناداً، وأصحهم رواية، فكان يملي علينا كل يوم مقداراً يسيراً من الحديث، حتى طالت المدة وخفت النفقة، ودفعت الضرورة إلى بيع ما صحبنا من ثوب وخرقة، إلى أن لم يبق لنا ما كنا نرجو حصول قوت يوم منه، وطوينا ثلاثة أيام بلياليها جوعاً وسوء حال، وأصبحنا بكرة اليوم الرابع بحيث لا حراك بأحد من جملتنا من الجوع وضعف الأطراف، وأحوجت الضرورة إلى كشف قناع الحشمة، وبذل الوجه للسؤال، فلم تسمح أنفسنا بذلك ولم تطب قلوبنا به، وأنف كل واحد منا عن ذلك، والضرورة تحوج إلى