قال: وأنس بن مالك جالس تحت منبره ساكت. فقلت لأنس: يا أبا حمزة، أنشدك الله، فقد خدمت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحبته، أبمعروف قلت أم بمنكر؟ أبحق قلت أم بباطل؟ قال: فلا والله، ما أجابني بكلمة.
قال له الحكم بن أيوب: يا أنس، قال: يقول: لبيك أصلحك الله، قال: وكان وقت الصلاة قد ذهب، قال: كان بقي من الشمس بقية، فقال: احبسوه.
قال يزيد: فأقسم لك يا أبا الحسن يعني للمعلى: لما لقيت من أصحابي كان أشد علي من مقامي، قال بعضهم: مراءٍ، وقال بعضهم: مجنون.
قال: فكتب الحكم إلى الحجاج: أن رجلاً من بني ضبة قام يوم الجمعة قال: الصلاة، وأنا أخطب، وقد شهد الشهود العدول عندي أنه مجنون.
فكتب إليه الحجاج: إن كانت قد قامت الشهود العدول عندك أنه مجنون فخل سبيله، وإلا فاقطع يديه ورجليه واسمر عينيه واصلبه. فشهدوا عند الحكم أني مجنون فخلى عني.
قال المعلى بن زياد عن يزيد الضبي: مات أخل نا فتبعنا جنازته فصلينا عليه، فلما دفن تنحيت في عصابة فذكرنا الله وذكرنا معادنا، فإنا كذلك، إذ رأينا نواصي الخيل والحراب، فلما رآه أصحابي قاموا وتركوني وحدي. فجاء الحكم حتى وقف علي فقال: ما كنتم تصنعون؟ قلت: أصلح الله الأمير، مات صاحب لنا، فصلينا عليه ودفن، فقعدنا نذكر ربنا عز وجل ونذكر معادنا، ونذكر ما صار إليه، قال: ما منعك أن تفر كما فروا؟ قلت: أصلح الله الأمير، أنا أبرأ من ذلك ساحة، وآمن للأمير من أن أفر. قال: فسكت الحكم.
وقال عبد الملك بن المهلب وكان على شرطته: تدري من هذا؟ قال: من هذا؟ قال: هذا المتكلم يوم الجمعة. قال: فغضب الحكم وقال: أما إنك لجريء، خذاه. قال: فأخذت، فضربني أربع مئة سوط، فما دريت حتى تركني من شدة ما ضربني. قال: وبعثني إلى واسط فكنت في ديماس الحجاج حتى مات الحجاج.