وجعل الرجل يستحي أن يمنعه منها شيئاً حتى صار معه إلى المنزل، فدعا بالغداء وأمر بالهدايا ففتحت فأكل منها ومن حضره، ثم أمر ببعضها فرفع إلى خزانته.
وقام ثم أقبل على الرجل فقال: أنا أولى بك من خالد وأقرب إليك رحماً ومنزلاً، وههنا مال الغارمين أنت أولى به، ليس لأحد عليك فيه منة إلا الله، تقضي به دينك، ثم دعا له بثلاثة آلاف دينار فدفعها إليه وقال: قد قرب الله عليك الخطوة، فانصرف إلى أهلك مصاحباً محفوظاً.
فقام الرجل من عنده يدعو له ويشكر، فلم يكن له همة إلا الرجوع إلى أهله، فانطلق الحكم يشيعه، فسار معه شيئاً، ثم قال له: كأني بزوجتك قد قالت لك: أين طرائف العراق، بزها وخزها وعراضاتها؟ أما كان لنا معك نصيب؟ ثم أخرج صرة حملها معه، فيها خمس مئة دينار، فقال: أقسمت عليك إلا جعلت هذه لها عوضاً من هدايا العراق. وودعه وانصرف.
وكان الحكم بن المطلب من أبر الناس بأبيه، وكان أبوه المطلب يحب ابناً له يقال له: الحارث، حباً مفرطاً، وكانت بالمدينة جارية مشهورة بالجمال والفراهة، فاشتراها الحكم بمال كثير، فقال له أهلها: دعها عندنا حتى نصلح من أمرها ثم نزفها إليك بما تستأهل، فتركها عندهم حتى جهزوها، ثم نقلوها كما تزف العروس إلى زوجها.
وتهيأ الحكم بأحسن ثيابه وتطيب، ثم انطلق فبدأ بأبيه ليراه في تلك الهيئة ويدعو له تبركاً بدعاء أبيه، فدخل عليه وعنده الحارث، فأقبل عليه أبوه فقال: إن لي إليك حاجة فما تقول؟ قال: يا أبه، إنما عبدك فمر بما أحببت. قال: تهب جاريتك هذه للحارث أخيك، وتعطيه ثيابك هذه التي عليك، وتطيبه من طيبك، وتدعه يدخل على هذه الجارية، فإني لا أشك أن نفسه قد تاقت إليها.
قال الحارث: لم تكدر على أخي وتفسد قلبه علي؟ وذهب يريد يحلف، فبدر الحكم فقال: هي حرة إن لم تفعل ما أمرك أبي، فإن قرة عينه أحب إلي من هذه الجارية، وخلع ثيابه فألبسه إياها، وطيبه من طيبه، وخلاه فذهب إليها.