سكت قالوا: بأبي أنت يا سيدنا، ما كان ينبغي أن يكون إلا هكذا، فقال: قد سمعت كلامكم وما ذكرتم من تطفيلي، وأي شيء كان عليكم من رجل دخل فيما بين أضعافكم؟ فقالوا: ما كان علينا من ذلك من شيء.
فأقام معهم يوماً، ثم قالوا له: أين تريد؟ قال: باب أمير المؤمنين قالوا: وكم أملك؟ قال: ألف دينار قالوا: فإنا نعطي الله عهداً إن رآك أمير المؤمنين في سفرك هذا فلا عاينك، ولا عاينت بلاداً سوى الكوفة، وهي علينا. فأخرجوا ما بينهم ألف دينار، وأخرجوا كسوة له ولعياله ولأبيه وهدايا من العراق، وأقام عندهم حتى اشتاق إلى أهله فحملوه ورجع إليهم.
قال نوفل بن ميمون: قدم المهدي المدينة، فدخل عليه القراء، فدخل فيهم ابن جندب الهذلي، فوصله في جملتهم، ثم دخل عليه القصاص وهو فيهم: فوصله معهم، ثم دخل عليه الفقهاء وهو معهم فوصله في جملتهم، ثم دخل الشعراء وهو معهم فقال المهدي: تالله ما رأيت كاليوم أجمع، يا بن جندب، أنشدني أبياتك في مسجد الحزاب فأنشده: من البسيط
يا للرّجال ليوم الأربعاء أما ... ينفكّ يحدث لي بعد النّهى طربا
ما إن يزال غزالٌ فيه فتنني ... يهوي إلى مسجد الأحزاب منتقبا
يخبّر الناس أنّ الأجر همّته ... وما أتى طالباً للأجر محتسبا
لو كان يطلب أجراً ما أتى ظهراً ... مضمّخاً بفتيت المسك مختضبا
ثم قال للمهدي: إني قلت بيتين من هذه، فجاءني القصارون فسألوني الزيادة فجعلتها أربعة. فقال له المهدي: ويحك ومن القصارون؟ قال: حكم الوادي وذووه الذين يقصرون الأشعار بالألحان.