ارتفعوا عنه، هاتوا عثمان، فأتي بصورة أخرى، فضربت مثل ذلك، ثم قال: ارفعوا عنه. هاتوا علياً، فأتي بصورة أخرى فقال: يا علي من اضطرك أن تصعد منبر الكوفة في جمع الناس، فتقول: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، ولو شئت لسميت الثالث؟ ما الذي أردت بهذا؟ ما حملك على هذا؟ ثم أمر بضربها، فضرب أربع مئة جلدة، ضاعف عليه الضرب ثم قال: ارفعوا عنه الضرب.
قال: فقلت في نفسي: حمدية، أليس قد قتلت غلاماً لا ذنب له، وعصيت الله إلى وقتك هذا؟ فلئن يسر لك قتل هذا الشيخ ليتوبن الله عليك من كل ما اكتسبت يداك ثم ترجع إلى أبوي الغلام، فتعطيهما القود من نفسك.
فأصبحت ولم يكن أول عملي إلا شحذ سكيني حتى رضيت، فلما أمسيت إلى قريب من وقت الشيخ في الليل خرجت حتى وقفت على باب الشيخ، فقرعت عليه بابه فقال: من هذا؟ فقلت: أنا جارك في هذا البيت الذي يليك، فلما فتح الباب، قلت له: أنا رجل غريب، وجئت وقتاً فائتاً بغير عدة، وقد أدركني عطش شديد فاسقني، فقال: نعم.
فلما ولى ليأتيني بالماء، اقتحمت عليه الباب فضربته بين كتفيه بالخنجر أنفذته بها، ثم صرعته فذبحته، وخرجت ساعتي تلك من البيت.
فلما أصبحت عزمت على الرجوع إلى مصر لألقى أبوي الغلام، فأقر لهما، فيفعلا بي ما أحبا.
فلما بلغت الشام، ركبت البحر، فنزلت بساحل تنيس، فإذا أنا بأبوي الغلام، فسلمت عليهما، فردا علي السلام، وسألاني عن حالي، فقلت لهما: إني قتلت ابنكما، فاذهبا بي إلى بدر والي تنيس، يأخذ لكما مني القود. فقالا: اذهب معنا إلى البيت، فذهبت معهما فوضعا بين يدي طعاماً فقلت: قد سماه لي فأكلت وأكلا معي، وأظهرا لي الترحيب والإكرام؛ فعجبت لذلك.