وقيل: إن يزيد بن عبد الملك نزل مكاناً بالأردن يقال له، بيت راس ومعه حبابة، فتوفيت، فمكث ثلاثاً لا يدفنها حتى أنتنت يشمها ويرشفها، فكلمه قراباته في ذلك، وعابوا عليه ما يصنع، وقالوا: قد صارت جيفة بين يديك، حتى أذن لهم في غسلها ودفنها، فحملوها في نطع، وخرج معهم حتى أجنها في حفرتها، فلما فرغوا قال: إنا والله كما قال كثير بن أبي جمعة: من الطويل
فإن تسل عنك النفس أو تدع الصّبا ... فباليأس تسلو عنك لا بالتّجلّد
وكلّ حبيبٍ زارني فهو قائلٌ ... من أجلك هذا هالك اليوم أو غد
فما مكث بعدها إلا خمس عشرة حتى دفن.
دخل يزيد بن عبد الملك يوماً بعد موت حبابة إلى خزانتها ومقاصيرها، فطاف فيها ومعه جارية من جواريها، فتمثلت الجارية من الطويل
كفى حزناً بالواله الصّبّ أن يرى ... منازل من يهوى معطّلةً قفرا
فصاح صيحة وخر مغشياً عليه، فلم يفق إلى أن مضى من الليل هويٌ فلم يزل بقية ليله باكياً ومن غده، فلما كان اليوم الثاني وقد انفرد في بيت يبكي عليها، جاؤوا إليه فوجدوه ميتاً.
توفيت حبابة في رجب سنة خمس ومئة، ولم يلبث بعدها يزيد إلا أربعين يوماً حتى هلك.