أكل الخاطئين. وكان داود قبل الخطيئة يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر؛ فلما كان من خطيئته ما كان صام الدهر كله، وقام الليل كله.
وكان داود يدعو على الخاطئين قبل أن يصيب الذنب. فلما أصاب الذنب قال: يا رب اغفر للخاطئين لعلك تغفر لي معهم.
قال عطاء الخراساني: قيل لداود: ياداود، أرفع رأسك، فذهب ليرفع فإذا هو قد نشب بالأرض، فأتاه جبريل عليه السلام فاقتلعه عن وجه الأرض كما يقتلع عن الشجرة صمغها. وقيل: إنه لزق موضع مساجده على الأرض من فروة وجهه ما شاء الله. قال ابن ابن لهيعة: فكان يقول في سجوده: سبحانك، هذا شاربي دموعي، وهذا طعامي رماد بين يدي.
قال وهب بن منبه: إن داود لما تاب الله عليه قال: يارب اغفر لي، قال: نعم، قال: فكيف لي أن لا أنسى خطيئتي، فأستغفر منها لي وللخاطئين إلى يوم ألقاك؟ قال: فوشم الله خطيئته في يده اليمنى. فما رفع فيها طعاما ولا شراباً إلا بكى إذا رآها، وما قام خطيباً في الناس إلا بسط يده وراحته فاستقبل بها الناس ليروا وشم خطيئته.
وعن مجاهد أوسعيد بن المسيب قال: يبعث داود عليه السلام، وذكر خطيئته ووجله منها في قلبه، منقوشى في كفه، فإذا رأى أهاويل الموقف لم يجد منه مبعوداً ولا محرزاً إلا برحمة الله وقربه، فيشير إليه أن هاهنا، وأشار بيمينه إلى جنبه، فذلك قول الله تعالى:" وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " قال وهب: أوحى الله إلى داود، يا داود، ارفع رأسك فقد غفرت لك، غير أنه ليس لك عندي ذلك الود الذي كان.