قال مالك بن دينار وغيره: لما أصاب داود الخطيئة أكثر من الدعاء فلم يستجب له، فلما راى انه لايستجاب له أخذ في ننحو من النياحة؛ فرحم فغفر له.
وعن يزيد قال: كان داود إذا أراد أن يعظ الناس خرج بهم إلى الصحراء. قال: فخرج بهم ذات يوم في ثلاثين ألفاً من الناس، فوعظهم، فمات منهم عشرون ألفاً، ورجع في عشرة آلاف من الناس مرضى.
وعن وهب بن منبه أن داود عليه السلام لما تاب الله عز وجلعليه، بكى على خطيئته ثلاثين سنة لايرقأ دمعه ليلاً ولا نهاراً، وكان أصاب الخطيئة وهو ابن سبعين سنة، فقسم الدهر بعد الخطيئة على أربعة أيام: فكان يوم للقضاء بين بني إسرائيل؛ ويوم لنسائه؛ ويوم يسيح في الفيافي والجبال الساحل؛ ويوم يخلو في دار له فيها أربعة آلاف محراب؛ فيجتمع إليه الرهبان، فينوح معهم على نفسه، ويساعدونه على ذلك. فإذا كان يوم سياحته، يخرج إلى الفيافي فيرفع صوته بالمزامير، فيبكي ويبكي معه الشجر والرمال والطير والوحوش، حتى يسيل من دموعه منل الأنهار، ثم يجيء إلى الجبال والحجارة والطير والدواب حتى يسيل أودية من مكانهم، ثم يجيء إلى الساحل، فيرفع صوته بالمزامير، فيبكي ويبكي معه الحيتان ودواب البحر والسباع وطير السماء، فإذا أمسى رجع؛ فإذا كان يوم نوحه على نفسه نادى مناديه: إن اليوم يوم نوح داود على نفسه فليحضر من يساعده. قال: فيدخل الدار التي فيها المحاريب، فيبسط له ثلاثة فرش من مسوح، حشوها ليف، فيجلس عليها ويجيء الرهبان أربعة آلاف راهب عليهم البرانس وفي أيديهم العصي، فيجلسون في تلك المحاريب، ثم يرفع داود صوته بالبكاء والنوح على نفسه، ويرفع الرهبان معه أصواتهم، ولا يزال يبكي حتى تغرق الفرش من دموعه، ويقع داود فيها مثل الفرخ يضطرب، فيجيء ابنه سليمان فيحمله، فيأخذ داود من تلك الدموع بكفيه ثم يمسح بها وجهه ويقول: يارب اغفر ماترى. فلو عدل بكاء داود بجميع بكاء أهل الدنيا لعدله.