للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في كل يوم ثمان عشرة لقمة، فلما أقام بدمشق صار أكله في كل يوم أربعاً وعشرين لقمة بزياد الثلث.

ويقال: إن المأمون نظر يوماً من بناء كان فيه إلى أشجار الغوطة وبهائها فحلف بالله إنها خير مغنى على وجه الأرض.

قال يحيى بن أكثم القاضي: كنت بدمشق مع المأمون وحضرت طعامه، فقدم إليه طعام كثير من الفراريج، فجعل المأمون يأكل من تلك الفراريج ويتمطق ويتملظ ويتبسم، وأنا لا أدري ما مقصده بتلمظه، فلما استحكم له طعم الفراريج وبلغ نهاية الاستتمام إلى غايته في ذوقه نظر إلى الطباخ فقال: بأي شيء سمنت هذه الفراريج؟ وبم طيبتها؟ فقال الطباخ: هذه أرعية دمشق، لم تسمن ولم تطيب، فقال لي: ما طعم من طعام الطير ولا ريح من الروائح العذبة إلا وقد خيل لي أنه في هذه الفراريج، وهذا والله أرخس لحماً وأطيب طعماً وريحاً من مسمن كسكر. ثم قال: أو ما علمت أن فراريج كسكر فيها ثقل كسكر وروائح آجامها وكأنها من طير الماء فيها الطعم فإن لم تعالج بالأبازير وتطيب بالأفواه وتروى بالزيت المغسول لم يمكن النظر إليه فضلاً عن أكله، وهي إذا عوينت بما وصفت وعولجت ففيها بقايا سنخها ولئن رجعت إلى العراق لا ذقت منها شيئاً البتة.

قال ابن أبي داود: قال المعتصم بالله.

ما شبهت ساكن دمشق إلا بالصائم في شدة الكلف على الطعام فإنه جائع أبداً، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، فنعمت النعمة هذه. قال: نعم، خير بقاع الأرض إلا أنه يورث الشدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>