وغارت النجوم، والله حي قيوم، ثم رجع إلى فراشه. فلما كان ثلث الليل الآخر خرج إلى الحجرة، فقلب في أفق السماء وجهه وقال: نامت العيون، وغارت النجوم، والله حي قيوم، ثم عمد إلى قربة في ناحية الحجرة، فحل شناقها، ثم توضأ فأسبغ وضوءه، ثم قام إلى مصلاه، فكبر وقام حتى قلت: لن يركع، ثم ركع فقلت: لن يرفع صلبه، ثم رفع صلبه، ثم سجد فقلت: لن يرفع رأسه، ثم جلس فقلت: لن يعود، ثم سجد فقلت: لن يقوم، ثم قام فصلى ثمان ركعات، كل ركعة دون التي قبلها، يفصل في كل ثنتين بالتسليم. وصلى ثلاثاً أوتر بهن بعد الاثنتين، وقام في الواحدة الأولى. فلما ركع الركعة الأخيرة، فاعتدل قائماً من ركوعه، قنت فقال: اللهم إني أسألك رحمةً من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري.. الدعاء إلى آخره بمعنى الدعاء الأول، ثم سجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكان فراغه من وتره وقت ركعتي الفجر؛ فركع في منزله، ثم خرج فصلى بأصحابه صلاة الصبح.
وعنه أيضاً قال: أكل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحماً ثم صلى ولم يتوضأ.
قال محمد بن أبي رزين الخزاعي: سمعت داود بن علي حين بويع لبني العباس، وهو مسند ظهره إلى الكعبة فقال: شكراً شكرا، إنا والله ما خرجنا لنحتفر فيكم نهراً، ولا لنبني قصراً؛ ظن عدو الله أن لن نقدر عليه؛ أمهل الله له في طغيانه وأرخى له من زمامه، حتى عثر في فضل خطامه؛ فالآن أخذ القوس باربها، وعاد النبال إلى النزعة، وعاد الملك في نصابه، في أهل بيت نبيكم، أهل الرأفة والرحمة. والله إن كنا لنشهد لكم ونحن على فرشنا، أمن الأسود والأبيض. لكم ذمة الله وذمة رسوله وذمة العباس، ها ورب هذه البنية لا نهيج أحداً. ثم نزل.
قال جرير: سمعت سالم بن أبي حفصة يطوف بالبيت وهو يقول: لبيك مهلك بني أمية، فأجاره داود بن علي بألف دينار.