اجتمعا لدعوة يتلاصقان بطرح هذا شيئاً منه عليه، والآخر الباقي. وكانا يعبثان بالشعر إلى أن قال دعبل:
أين الشباب وأيةً سلكا ... لا، أين يطلب ضل بل هلكا
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
قصر الغواية عن هوى قمر ... وجد السبيل إليه مشتركا
وعداً بأخرى عز مطلبها ... صباً يطامن دونها الحسكا
يا ليت شعري كيف نومكما ... يا صاحبي إذا دمي سفكا
لاتأخذا بظلامتي أحداً ... قلبي وطرفي في دمي اشتركا
إلى آخرها. فغني به هارون الرشيد، فاستحسنه واستجاد قوله: ضحك المشيب برأسه فبكى
فقال للمغني: لمن هذا الشعر؟ قال: لبعض أحداث خزاعة ممن لا يؤبه له. قال: من هو؟ قال: دعبل بن علي، قال: يا غلام، أحضرني عشرة آلاف درهم وحلةً من حللي ومركباً من مراكبي خاصة، فأحضر ذلك، فقال: ادع لي فلاناً، فقال: اذهب بهذا إلى دعبل، وأجاز المغني بجائزة عظيمة؛ وتقدم إلى الرجل الذي بعثه إلى دعبل أن يعرض عليه المصير إلى هارون، فإن صار وإلا أعفاه، فأتاه الرسول وأشار عليه بالمصيرإليه، فانطلق دعبل معه، فلما مثل بين يديه سلم، فرد عليه هارون السلام ورحب به وقربه حتى سكن روعه، واستنشده الشعر فأنشده، وأعجب به وأقام عنده يمتدحه. وأجرى عليه الرشيد أجزل جراية وأسناها، وكان الرشيد أول من ضراه على قول الشعر؛ فما كان إلا بعد ما غيب الرشيد في حفرته إذ أنشأ يمتدح آل سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويهجو آل الرشيد، فمن ذلك قوله:
وليس حي من الأحياء نعرفه ... من ذي يمان ولا بكر ولا مضر