طاهر أن يطلب دعبلاً حيث كان ويؤمنه، فكتب إليه وحمله وأجازه، وأشار إليه بالمصير إلى المأمون، فتحمل دعبل إلى المأمون.
وثبت المأمون في الخلافة، وضرب الدنانير باسمه؛ وأقبل يجمع الآثار في فضائل آل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتناهى إليه قول دعبل:
مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى ... وبالركن والتعريف والجمرات
فما زالت تتردد في صدر المأمون حتى قدم عليه دعبل، فقال: أنشدني ولابأس عليك ولك الأمان من كل شيء فيها، فإني أعرفها وقد رويتها، إلا أني أحب أن أسمعها من فيك، فأنشده حتى صار إلى هذا الموضع:
ألم تراني مذ ثلاثين حجةً ... أروح وأغدو دائم الحسرات
أرى فيئهم في غيرهم متقسماً ... وأيديهم من فيئهم صفرات
وآل رسول الله نحف جسومها ... وآل زياد غلظ القصرات
بنات زياد في القصور مصونةً ... وبنت رسول الله في الفلوات
إذا وتروا مدوا إلى واتريهم ... أكفاً عن الأوتار منقبضات
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد ... تقطع قلبي إثرهم حسرات
قال: فبكى المأمون حتى اخضلت لحيته، وجرت دموعه على نحره، وكان دعبل أول داخل إليه وخارج من عنده. فلم نشعر إلا وقد عتب على المأمون وأرسل إليه بشعر يقول فيه:
ويسومني المأمون خطة ظالم ... أو ما رأى بالأمس رأس محمد؟
يوفي على هام الخلائق مثلما ... توفي الجبال على رؤوس القردد
لا تحسبن جهلي كحلم أبي فما ... حلم المشايخ مثل جهل الأمرد