علي الأرض، وتحيرت في أمري، فبكرت وركبت بغلتي وقصدت الكرخ لا أعلم أين أتوجه، فانتهت بي البغلة إلى درب السلولي، ووقفت على باب مسجد دعلج بن أحمد، فدخلت المسجد فصليت خلفه صلاة الفجر، فلما سلم انفتل إلي ورحب بي، وقام وقمت معه، ودخل إلى داره، فجلسنا وجاءته جاريته بمائدة لطيفة وعليها هريسة فقال: يأكل الشريف، فأكلت وأنا لا أحصل أمري، فلما رأى تقصيري قال: أراك منقبضاً فما الخبر؟ فقصصت عليه القصة، فقال: كل فإن حاجتك تقضى، ثم أحضر حلواء فأكلنا، فلما رفع الطعام قال: يا جارية؛ افتحي ذلك الباب، فإذا خزانة مملوءة زبلاً مجلدة، فأخرج إلي بعضها وفتحها إلى أن أخرج النقد الذي كانت الدنانير منه، واستدعى الغلام والتخت والطيار، فوزن عشرة آلاف دينار، وبذرها وقال: يأخذ الشريف هذه، فقلت: يثبتها الشيخ علي، فقال: أفعل، وقمت وقد كاد عقلي يطير فرحاً. وعدت إلى داري، وانحدرت إلى دار السلطان بقلب قوي، فقلت: ما أظن إلا أنه قد استشعر في أني قد أكلت مال اليتيم، فأحضر قاضي القضاة، والشهود، والنقباء، وولاة العهود، وأحضر الغلام وفك حجره، وسلم المال إليه، وعظم الشكر لي والثناء علي.
فلما عدت إلى منزلي استدعاني أحد الأمراء من أولاد الخليفة وكان عظيم الحال فقال: قد رغبت في معاملتك وتضمينك أملاكي ببادوريا ونهر الملك. فضمنت ذلك بما تقرر بيني وبينه من المال، وجاءت السنة ووفيته، وحصل في يدي من الربح ماله قدر كبير. وكان ضماني لهذه الضياع ثلاث سنين، فلما مضت حسبت حسابي وقد تحصل في يدي ثلاثون ألف دينار، فعزلت عوض العشرة آلاف دينار التي أخذتها من دعلج وحملتها إليه، وصليت معه الغداة؛ فلما انفتل من صلاته ورآني نهض معي إلى داره، وقدم المائدة والهريسة، فأكلت بجأش ثابت وقلب طيب؛ ثم قال لي: خبرك وحالك؟ فقلت: بتفضل الله وفضلك قد أفدت بما فعلت معي ثلاثين ألف دينار، وهذه منها عشرة آلاف