فقيل: عرس لبعض أهل المدينة؛ وسمع إلى جانبه بكاءً وصياحاً وولولةً فقال: ما هذا؟ فقالوا: فلان مات، فقال لي: يا عمر بن صدقة، أعطي هؤلاء فما شكروا، وابتلي هؤلاء فما صبروا، ولله علي إن بت في هذه المدينة. فخرج من ساعته من إخميم إلى الفسطاط.
قال أحمد بن جعفر السمسار: سمعت ذا النون يقول: دخلت إخميم الصعيد، فدخلت في بعض البراري، فسمعت صوتاً ولم أر شخصاًَ وهو يقول: يا أبا الفيض، أقبل علي، فاتبعت الصوت، فإذا أنا بوجه قد خرج من موضعه، فقال لي: أنت ذو النون المصري؟ فقلت: نعم، فقال لي: أنت زاهد أهل زمانك؟ قلت: يا عبد الله، كذا يقال؛ فقال لي: يا أبا الفيض، أليس يقولون: إن الدنيا ليس تسوى عند الله جناح بعوضة؟ فازهدوا في الآخرة خير لكم؛ فقلت له: وكيف نزهد في الآخرة؟ قال: تزهدون في جنتها ونارها، وترغبون في النظر إلى الله جلت عظمته. ثم أمسك عني ورجعت.
قال يوسف بن الحسين الرازي: سمعت ذا النون المصري يقول: وجدت صخرة ببيت المقدس، عليها أسطر مكتوب، فجئت من يترجمها فإذا عليها مكتوب: كل عاص مستوحش؛ وكل مطيع مستأنس؛ وكل خائف هارب؛ وكل راج طالب؛ وكل قانع غني؛ وكل محب ذليل. ففكرت في هذه الأحرف، فإذا هي أصول لكل ما استعبد الله عز وجل به الخلق.
حدث أحمد بن رجاء بمكة قال: سمعت ذا الكفل المصري وهو أخو ذي النون يقول: دخل غلام لذي النون إلى بغداد، فسمع قوالاً يقول، فصاح غلام لذي النون صيحةً فخر ميتا؛ فاتصل الخبر بذي النون، فدخل إلى بغداد فقال: علي بالقوال، واسترده الأبيات، فصاح ذو النون صيحةً فمات القوال. ثم خرج ذو النون وهو يقول: النفس بالنفس والجروح قصاص.