قد ابتلي بذلك؛ فحضر إليه جماعة فأخبروه عن العلماء أن لا طلاق قبل النكاح. ثم قال سماك من عنده: إنما النكاح عقدة تعقد، والطلاق يحلها، فكيف تحل عقدة قبل أن تعقد؟! فأعجب الوليد من قوله، وأخذ به، وكتب إلى عامله على اليمن أن يستعمله على القضاء، وحبس الوليد ربيعة، وضم إليه ابنه عثمان وجعله قائماً بأمره.
كان ربيعة الرأي صاحب الفتيا بالمدينة، وكان يجلس إليه وجوه الناس بالمدينة، وكان يحصى في مجلسه أربعون معتماً. وعنه أخذ مالك بن أنس، وكان عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة يجلس إلى ربيعة يأخذ عنه، فحكي عنه انه قال لربيعة في مرضه الذي مات فيه: يا أبا عثمان! إنا قد تعلمنا منك، وربما جاءنا من يستفتينا في الشيء لم نسمع فيه شيئاً، فترى أن رأينا له خير من رأيه لنفسه فنفتيه؟ فقال ربيعة: أجلسوني، فجلس ثم قال: ويحك يا عبد العزيز! لأن تموت جاهلاً خير لك من أن تقول في شيء بغير علم، لا، لا، لا؛ ثلاث مرات.
توفي ربيعة بالمدينة سنة ست وثلاثين ومئة في خلافة أبي العباس.
كان ربيعة يقول لابن شهاب: إن حالي ليس يشبه حالك، أنا أقول برأي، من شاء أخذه، وأنت تحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيحفظ، لا ينبغي لأحد يعلم أن عنده شيئاً من العلم يضيع نفسه.
روي عن مشيخة أهل المدينة، أن فروخاً أبا عبد الرحمن أبو ربيعة خرج في البعوث إلى خراسان أيام بني أمية غازياً، وربيعة حمل في بطن أمه، وخلف عند زوجته أم ربيعة ثلاثين ألف دينار؛ فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة وهو راكب فرساً، في يده رمح، فنزل عن فرسه، ثم دفع الباب برمحه، فخرج ربيعة فقال له: يا عدو الله! أتهجم على منزلي؟ فقال: لا، وقال فروخ: يا عدو الله! أنت رجل دخلت على حرمتي! فتواثبا، وتلبب كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران، فبلغ مالك بن أنس والمشيخة، فأتوا يعينون ربيعة، فجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان، وجعل فروخ يقول: والله لا فارقتك إلا بالسلطان وأنت مع امرأتي، وكثر الضجيج. فلما بصروا بمالك سكت الناس كلهم، فقال مالك: أيها الشيخ! لك سعة في غير هذه الدار،