في صعوبته، وأعطني من الخير أكثر مما أرجو، واصرف عني من الشر أكثر مما أخاف. ثم ركب راحلته، فلما وقف بباب المنصور وأعلم بمكانه فتحت الأبواب ورفعت الستور، فلما قرب من المنصور قام إليه فتلقاه وأخذ بيده، وما شاه حتى انتهي به إلى مجلسه، فأجلسه فيه ثم أقبل عليه يسأله عن حاله، وجعل جعفر يدعو له، ثم قال: قد عرفت ما كان مني في أمر هذين الرجلين يعني محمداً وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن وترى كأن بهما وقد استخفا بحقي، وأخاف أن يشقا العصا، وأن يلقيا بين أهل هذا البيت شراً لا يصلح أبداً، فأخبرني عنهما؛ فقال له جعفر: والله لقد نهيتما فلم يقبلا، فتركتهما كراهية أن أطلع على أمرهما، وما زلت حاطباً في حبلك، مواظباً على طاعتك؛ قال: صدقت، ولكنك تعلم أنني أعلم أن أمرهما لن يخفى عنك، ولن تفارقني إلا أن تخبرني به، فقال له: يا أمير المؤمنين، أفتأذن لي أن أتلو آية من كتاب الله عليك فيها منتهى عملي وعلمي؟ قال: هات على اسم الله، فقال جعفر: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: " لئن أخرجوا لا يخرجون معهم، ولئن قوتلوا لا ينصرونهم، ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ". قال: فخر أبو جعفر ساجداً ثم رفع رأسه، فقبل بين عينيه وقال: حسبك، ثم لم يسأله بعد ذلك عن شيء حتى كان من أمر إبراهيم ومحمد ما كان.
قال رزام مولى خالد بن عبد الله: قال لي إسماعيل بن عبد الله: إنك لرجل لولا أنك تحب السماع، قال: فقلت: أما والله لو سمعتها وهي تقول:
ما ضر جيراننا إذا انتجعوا ... لو أنهم قبل بينهم ربعوا
ما عبت ذلك علي.
قال رزام: وسمعت جعفر بن محمد بعد وفاة أبيه وإسماعيل يقول: تعاهدوا جواري إسماعيل حتى يغنين لا ينفلت ما في أيديهن.