وقال: في قوله تعالى: " وأصلحنا له زوجه " قال: كان في خلقها سوءٌ، وكان في لسانها طولٌ وهو البذاء، فأصلح الله تبارك وتعالى ذلك منها. وقال سعيد بن جبير: كانت لا تلد.
عن يزيد بن أبي منصور قال: دخل يحيى بن زكريا عليهما السلام بيت المقدس، فرأى المتعبدين قد لبسوا الشعر وبرانس الصوف، ونظر إلى مجتهديهم قد خرقوا التراقي، وسلكوا فيها السلاسل، وشدوها إلى حنايا بيت المقدس. فلما نظر إلى ذلك منهم هاله ذلك، ورجع إلى أبويه، فمر بصبيانٍ يلعبون، فقالوا: يا يحيى هلم فلنلعب. فقال: إني لم أخلق للعب. فأتى أبويه فسألهما أن يدرعاه الشعر، ففعلا، ثم رجع إلى بيت المقدس، فكان يخدمه نهاراً، ويسرح فيه ليلاً، حتى أتت عليه خمس عشرة حجة، فأتاه الخوف، فساح، ولزم أطراف الأرض وغيران الشعاب.
وخرج أبواه في طلبه، فوجداه حين نزلا من جبال البثنية على بحيرة الأردن، وأدركاه وقد قعد على شفير البحيرة ينقع قدميه في الماء، وقد كان العطش أن يذبحه، وهو يقول: وعزتك لا أشرب بارد الشراب حتى أعلم أين مكاني منك. فسأله أبواه أن يأكل قرصاً كان معهما من شعير، ويشرب من ذلك الماء، ففعل، وكفر عن يمينه، ورده أبواه إلى بيت المقدس.
وكان إذا قام في صلاته يبكي حتى تبكي معه الشجر والمدر، ويبكي زكريا لبكائه حتى يغمى عليه، فلم يزل يبكي حتى حرقت دموعه لحم خديه، وبدت أضراسه، فقالت له أمه: يا يحيى، لو أذنت لي أن أتخذ لك لبداً أواري به أضراسك عن الناظرين. قال: أنت وذاك. فعمدت إلى قطعتي لبدٍ فألصقتهما على خديه، فكان إذا بكى استنقعت دموعه في القطعتين، فتقوم إليه أمه فتعصرهما بيديها، فكان إذا نظر إلى دموعه تجري على ذراعي أمه قال: اللهم هذه دموعي، وهذه أمي، وأنا عبدك، وأنت أرحم الراحمين.