كان علي بن أبي طالب اشترط في صدقته أنها إلى ذي الدين والفضل من أكابر ولده. قال: فانتهت صدقته في زمن الوليد بن عبد الملك إلى زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فنازعه فيها أبو هاشم عبد الله بن محمد فقال: أنت تعلم أني وإياك في النسب سواء إلى جدنا علي، وإن كانت فاطمة لم تلدني وولدتك، فإن هذه الصدقة لعلي، وليست لفاطمة، وأنا أفقه منك وأعلم بالكتاب والسنة، حتى طالت المنازعة بينهما، فخرج زيد من المدينة إلى الوليد بن عبد الملك، وهو بدمشق، فكبر عنده على أبي هاشم، وأعلمه أن له شيعة بالعراق يتخذونه إماماً، وأنه يدعو إلى نفسه حيث كان، فوقع ذلك في نفس الوليد، ووقر في صدره، وصدق زيداً فيما ذكر، وحمله منه على جهة النصيحة، وتزوج نفيسة ابنة زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكتب الوليد إلى عامله بالمدينة في إشخاص أبي هاشم إليه، وأنفذ بكتابه رسولاً قاصداً يأتي بأبي هاشم، فلما وصل إلى باب الوليد أمر بحبسه في السجن فمكث فيه مدة.
فوفد في أمره علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فقدم على الوليد، فكان أول ما افتتح به كلامه حين دخل عليه أنه قال: يا أمير المؤمنين، ما بال آل أبي بكر، وآل عمر، وآل عثمان يتقربون بآبائهم فيكرمون ويحبون، وآل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتقربون به فلا ينفعهم ذلك!؟ فيم حبست ابن عمي عبد الله بن محمد طول هذه المدة؟ قال: بقول ابن عمكما زيد بن الحسن، فإنه أخبرني أن عبد الله بن محمد ينتحل اسمي، ويدعو إلى نفسه، وأن له شيعة بالعراق، وقد اتخذوه إماماً. قال له علي بن الحسين: أو ما يمكن أن يكو بين ابني العم منازع ووحشة كما يكون بين الأقارب، فيكذب أحدهما على الآخر؟ وهذان كان بينهما كذا وكذا، فأخبره خبر صدقة علي بن أبي طالب وما جرى فيها، حتى زال عن قلب الوليد ما كان قد خامره، ثم قال له: فأنا أسألك بقرابتنا من نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما خليت سبيله. فقال: قد فعلت. فخلى سبيله، وأمره أن يقيم بحضرته.
فأقام أبو هاشم بدمشق يحضر مجلس الوليد، ويكثر عنده ويسامره، حتى إذا كان