قال: بئس الذي أشرتم به، أيحسنن بمثلي أن يتحدث الناس أني قتلت امرأة بعد أن ملكت وصار الأمر إلي؟ ثم دعا كاتبه في الليل، فكتب إلى واليه بالكوفة أن أوفد علي الزرقاء بنت عدي مع ثقةٍ من محرمها وعدة من فرسان قومها ومهد لها وطاء ليناً، واسترها بستر خصيف. فلما ورد عليه الكتاب ركب إليها، فأقرأها إياها فقالت: أما أنا فغير زائغةٍ عن طاعة، وإن كان أمير المؤمنين جعل المشيئة إلي لم أرم من بلدي هذا، وإن كان حتم الأمير فالطاعة له أولى بي.
فحملها في عمارية، وجعل غشاءها خزأ أدكن مبطناً بقوهي، ثم أحسن صحبتها. فلما قدمت على معاوية قال لها: مرحباً وأهلاً، خير مقدمٍ قدمه وافدٌ، كيف حالك يا خالة، وكيف كان مسيرك؟ قالت: خير مسير، كأني كنت ربيبة بيت أو طفلاً ممهداً له. قال: بذاك أمرتهم، هل تعلمين لم بعثت إليك؟ قالت: يا سبحان الله وأنى لي بعلم ما لم أعلم؟ وهل يعلم ما في القلوب إلا الذي خلقها. قال: بعثت إليك لأسألك هل أنت الراكبة الجمل الأحمر يوم صفين، وأنت بين الصفين توقدين الحرب وتحضين على القتال؟ فما حملك على ذلك؟ قالت: يا أمير المؤمنين، إنه قد مات الرأس وبتر الذنب، والدهر ذو غير، ومن تفكر أبصر، والأمر يحدث بعده الأمر. فقال لها: صدقت فهل تحفظين كلامك يوم صفين؟ قالت: والله ما أحفظه. قال: لكني أحفظه، لله أبوك، لقد سمعتك تقولين: أيها الناس، قد أصبحتم في فتنة غشتكم جلابيب الظلم، وجارت بكم عن قصد المحجة، فيا لها من فتنة عمياء صماء لا تسمع لقائلها، ولا تنقاد لسائقها. أيها الناس، إن المصباح لا يضيء في الشمس، ولا الكواكب تبصر في القمر، وإن البغل لا يسبق الفرس، ألا من استرشده أرشدناه، ومن سألنا أخبرناه، إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها، فصبراً يا معشر المهاجرين والأنصار، فكأن قد اندمل شعب الشتات، والتأمت كلمة العدل، وغلب الحق باطله، فلا يعجلن أحد فيقول: كيف وأنى، ليقضي الله أمراً كان مفعولا. ألا إن خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء، وللصبر في الأمور عواقب، إيهاً إلى