قدم على المنصور مولى له يقال له سديف، وكان شديد السواد أعرابياً بدوياً، فنظر إلى رجل من بني أمية في مجلس المنصور فعرفه فقال: والله يا أمير المؤمنين إن هذا لذو وثب وكمين خب، يلحظك بعين العدو، ويطلبك بذخل الوتر. فتكلم الأموي فقال له سديف: أفلت نجومك، وحان أجلك، يا أمير المؤمنين، أطف شعلة طبه وشهاب كلبه. فقال الأموي: أصبحنا ما بحمد الله نتخوف بادرة غضبه، ولا شوكة مخلبه، وقد قل به الجور بعد كثرته، وكثر به العدل بعد قلته، فقال سديف: يا أمير المؤمنين، دونكه قبل أن ينصب لك شباك حيله وأشراك دغله فإنه الذي كدمنا بأعضله، وكلمنا بكلكله. فقال الأموي: قد والله رفع الله أمير المؤمنين عن خلف الوعد ونقض العهد، هذا أمان ليس لك علي فيه سلطانٌ بيد ولا لسان، فاكفف عني أيها الوغد الوضر. فقال له المنصور: اكفف يا سديف، وأخبرني هل أطرفتنا بشيء من شعرك؟ قال: لقد أطرفتك بسبائك ذهبٍ، ودر نظمٍ، وجوهر عقيان، فصلتهن لك بزبرجدٍ منضودٍ في سلك معقود لتعرف أني ناصح الجيب أمين الغيب، فأنشده أبياتاً يحرضه على الأموي، فما فرغ من إنشادها حتى دعا بالأموي فقتله والأبيات: من البسيط
يا راتق الفتق من جلباب دولته ... ومن سنا قلبه مستيقظٌ عادي
إني ومن أين لي في كل منزلةٍ ... مولى كأنت لإبراقٍ وإرعاد
أو مثل بحرك بحرٌ لا يزال به ... ريان مرتحل أو واردٌ صادي
لا تبق من عبد شمسٍ حيةً ذكراً ... تسعى إليك بإرصادٍ وإلحاد
جدد لهم رأي عزم منك مصطلمٍ ... يكبون منه عباديداً على الهاد
ولا تقيلن منهم عثرةً أحداً ... فكلهم وفتاهم حية الوادي