للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النطاقة، وأظهر الخمولة بعد الشهرة، وأظهر الهرب من الناس فلم يبرز إلا للخواص، ونالت النفس مناها. كل ذلك لجهله بنفسه، وعماه عن عيوبها، وقبول قوله في إسقاط الناس، وقوله: فلانٌ يجالس وفلان احذروه، ويأمر وينهى، ويثني على من تهواه نفسهن فإن اغتيب عنده من لا يهواه قال: اهتكوا ستر الفجرة واذكروا الفاجر بما فيه، وإن اغتيب من يهواه غضب ونهى عن ذلك وروى أحاديث النهي عن الغيبة وقد شرب السموم القاتلة، ويصير غضبه ورضاه لنفسه، ويرى أنه محسن يلوم أهل النقص والتقصير ويتنزه عمن لا يعرفه، ويقبل صلة من يهواه، ويأنس به، فهلك وأهلك. ونجا من صحت معرفته بنفسه، واشتغل بها، فلم يكن له صديق ولا عدو، ولا يخالط الأشرار، ولا يشتغل عن الله بالأخبار، ولا يمدح ولا يذم وكيف له أن يسلم من شر نفسه وعدوه؟ فكيف من جهل شر نفسه والإزراء على غيره؟ قال الجنيد: سمعت السري السقطي يقول: قلوب الأبرار معلقةٌ بالجراثيم، وقلوب المقربين معلقة بالسوابق، أولئك يقولون: ليتنا بماذا سبق لنا، وهؤلاء يقولون: ليتنا بماذا يختم لنا.

قال السري لبعض جلسائه: لا تلزم نفسك طول الفكرة فيما يورث قلبك ضعف الإيمان، فإن ضعف الإيمان أصل لكل إثمٍ وهم وغم، ولكن اشغل قلبك بكل ما يورث اليقين، فإن اليقين يورث كل طاعة، ويباعد من كل غم وهم، ويؤمنك من كل خوف، ويقربك من كل روح وفرح، وكذلك روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ما أوتي عبد خيراً من اليقين.

قال السري السقطي: رأيت طاعة الرحمن بأرخص الأثمان مع راحة الأبدان، ورأيت معصية الرحمن بأغلى الأثمان مع تعب الأبدان.

وقال: من لم يعلم قدر النعم سلبها من حيث لا يعلم.

عجبت لمن غدا وراح في طلب الأرباح وهو مثل نفسه لا يربح أبداً.

<<  <  ج: ص:  >  >>