كان سعيد بن العاص والياً لمعاوية على المدينة، فأصاب الناس سنة فأقحموا، فأطعمهم سعيد حتى أنفق ما في بيت المال، فكتب إلى معاوية، فغضب وقال: لم يرض أن أنفق مالنا حتى ادان؟ فعزله، فلما احتضر دعا ابنه عمراً فقال: إني قد رضيت غيبتك وشهادتك، فانظر ديني فاقضه، واكسر فيه أموالي، ولا يعطه عني معاوية، وانظر بناتي، فلتكن قبورهن بيوتهن إلا من الأكفاء، وانظر إخواني لا يفقدوني، احفظ منهم ما كنت أحفظ. فلما بلغ معاوية موته قال: رحم الله أبا عثمان، مات من هو أكبر مني ومن هو أصغر مني: من الطويل
إذا سار من دون امرىءٍ وأمامه ... وأوحش من إخوانه فهو سائر
لما حضرت سعيد بن العاص الوفاة قال لبنيه: أيكم يقبل وصيتي؟ فقال ابنه الأكبر: أنا يا أبه. قال: إن فيها قضاء ديني! قال: وما دينك يا أبه؟ قال: ثمانون ألف دينار. قال: يا أبه وفيم أخذتها؟ قال: يا بني، في كريم سددت به منه خلة، وفي رجل جاءني في حاجة ودمه ينزو في وجهه من الحياء، فبدأته بحاجته قبل أن يسألنيها.
قال سعيد بن العاص لابنه: يا بني، أخزى الله المعروف إذا لم يكن ابتداءً عن غير مسألة، فأما إذا أتاك تكاد ترى دمه في وجهه، ومخاطراً لا يدري أتعطيه أم تمنعه، فوالله لو خرجت له من جميع مالك ما كافأته.
قال سعيد بن العاص: ما أدري كيف أكافىء رجلاً بات يقسم ظنه، فلا يقع إلا علي، أصبح يتخطى الناس، ويتخطى المجالس والأحياء حتى يكرمني بنفسه، ويؤنسني بحديثه، غدا التجار إلى تجاراتهم، وغدا إلي في حاجته، فإن كان أخسهم فأخس الله حظي يوم القيامة.
قال سعيد بن العاص: يا بني، إن المكارم لو كانت سهلة يسيرة لسابقكم إليها اللئام.