والله لقد بلغني أنك أرددت أن تبعثني في هذا الوجه، ثم رأيتك قد سكت، فما أدري ما بدا لك، فإن كنت تريد أن تبعث غيري فابعثني معه، فما أرضاني بذلك. وإن كنت لا تريد أن تبعث أحداً فما أرغبني في الجهاد، إيذن لي رحمك الله حتى ألحق بالمسلمين، فقد ذكر لي أنه قد جمعت لهم جموع عظيمة. فقال له أبو بكر: رحمك الله، الله أرحم الراحمين يا سعيد، فإنك ما علمت من المتواضعين، المتواصلين، المخبتين، المتجدين بالأسحار، الذاكرين الله كثيراً. فقال سعيد: يرحمك الله، نعم الله علي أفضل، له الطول والمن، وأنت ما علمتك يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدوقٌ بالحق، قوام بالقسط، رحيمٌ بالمؤمنين، شديد على الكافرين، تحكم بالعدل، ولا تستأثر بالقسم. فقال له: حسبك يا سعيد، اخرج، رحمك الله فتجهز، فإني باعثٌ إلى المؤمنين جيشاً ممداً لهم، ومؤمرك عليهم، وأمر بلالاً فنادى في الناس: ألا انتدبوا أيها الناس مع سعيد بن عامر إلى الشام. قال: فانتدب معه جيش من المسلمين في أيام. قال: وجاء سعيد بن عامر، ومعه راحلته، حتى وقف على باب أبي بكر، والمسلمون جلوس، فقال لهم سعيد، أما إن هذه الوجه وجه رحمةٍ وبركة، اللهم فإن قضيت لنا يعني البقاء فعلى عادتك، وإن قضيت علينا الفرقة فإلى رحمتك، وأستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام. ثم ولى سائراً. قال: وأمره أبو بكر أن يسير حتى يلحق بيزيد بن أبي سفيان. قالوا: فقال أبو بكر: عباد الله، ادعوا الله أن يصحب صاحبكم وإخوانكم معه، ويسلمهم، فارفعوا أيديكم رحمكم الله أجمعين. فرفع القوم أيديهم، وهم أكثر من خمسين، فقال علي: ما رفع عدة من المسلمين أيديهم إلى ربهم يسألونه شيئاً إلا استجاب لهم، ما لم يكن معصية أو قطيعة رحم.
وقال حسين بن ضمرة: قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: ما رفع أربعون رجلاً أيديهم إلى الله يسألونه شيئاً إلا أعطاهم إياه. قال: فبلغ ذلك سعيداً بعدما وقع إلى الشام ولقي العدو، فقال: حم الله إخواني، ليتهم لم يكونوا دعوا لي، قد كنت خرجت، وإني على الشهادة لحريص، فما هو إلا أن لقيت العدو فعصمني الله من الهزيمة والفرار، وذهب من نفسي ما كنت أعرف من حبي الشهادة، فلما أن أخبرت أن إخواي دعوا لي بالسلامة علمت أني قد استجيب لهم. قالوا: وكان مع يزيد بن أبي سفيان كما أوصاه أبو بكر، فشد الله به وبمن كان معه أعضاد المسلمين، وفت بهم أعضاد المشركين.
سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عاملاً له على حمص يقال له سعيد بن عامر، فقال