وولاه غزو الخزر من بعد قتل الجراح بن عبد الله، وعلت حاله، وكان ولده بإرمينية. وكان صاحب الخزر قد كايد هشاماً بإرساله رجلاً من العرب قد كان أصاب أهله وولده، وجعل له تخلية سبيل أهله وولده بإبلاغه تلك الرسالة إلى هشام والرجعة إليه بخبر ما يبلغه، وحمله على بريد المسلمين، فأقبل متحزماً حتى دخل على هشام، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، الجراح بن عبد الله يقرأ على أمير المؤمنين السلام، ويخبره بسلامته وبسلامة من معه من المسلمين بمكان كذا وكذا، وأنه من عدوه منتصف، ويعزم على أمير المؤمنين ليردني إليه بعد إبلاغي الرسالة بخير أمير المؤمنين. قال: ويحك! من غير كتاب؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فدعا بدواب البريد فحمله من ساعته. وأقام هشام يومه، حتى إذا كان من غروب الشمس قال لخاصته: ويحكم رسول الجراح يأتيني بغير كتاب! ثم رجع لم يأتني مصداقٌ لخبره من صاحب بريد ولا عامل! إن نحن إلا في مكر من عدونا. علي بسعيد الحرشي. فأتي به فعقد له في عشرة من قومه على البريد، وقال له: سر في أصحابك، فإن قدمت والجراح حي فأنت مددٌ له، وإن كان قتل فأنت أمير على إرمينية حتى يأتيك رأي أمير المؤمنين، وعقد له هشام بيده، ودفع اللواء إليه، وقال: ادع حاملاً. فنادى سعيد: يا فرج، فقال هشام: أصنعت هذا؟ قال: لا ولكنه أحد موالي وأعواني. قال هشام: هذا أول الفرج، فوجهه على البريد، وأصحبه ممن هو في عسكره من وجوه الناس نحواً من أربع مئة رجل، وأمره أن لا يمر بشريف من العرب إلا استنفره في قومه، ففعل.
قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر:
فأقبل سعيد الحرشي سريعاً على البريد، وأنا ببرذعة على بيت مال إرمينية، فلقيته، فرأيته كاسفاً لونه منخزلاً ظهره على دابته، فلما دنوت منه قلت: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله. قال عبد الرحمن: فاعتدل على سرجه، ورد السلام. قال: ويحك! ما فعل الجراح؟ قلت: رحم الله الجراح. فأسفر لونه، وذهبت عنه كآبته، وأقبل علي يسألني عن خبرهم وأمورهم، حتى دخل برذعة، ثم عسكر معسكراً،