يا أبا حازم قال: نعم وأشد من هذا أقرصك، قال: لقد أتى علينا زمان، وإن الأمراء تطلب العلماء فتأخذ مما في أيدهم، فتنتفع به، فكان في ذلك صلاح الفريقين جميعاً، وطلبت اليوم العلماء الأمراء، وركنوا إليهم، واشتهوا ما في أيدهم، فقالت الأمراء: ما طلب هؤلاء ما في أيدينا حتى كان ما في الدنيا خير مما في أيديهم، فكان في ذلك فساد الفريقين كليهما، فقال سليمان بن هشام: صدقت، والذي لا إله إلا هو، ولأزهدن في الزهري من بعد اليوم.
وفي حديث آخر
قال له سليمان: يا أبا حازم: ليت شعري، ما لنا عند الله، قال: اعرض عملك على كتاب الله، قال: فأين أجد كتاب الله؟ قال:" إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم: قال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال أبو حازم: " قريب من المحسنين ".
قال سليمان: يا أبا حازم، ليت شعري، كيف العرض غداً على الله تعالى؟ قال: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسيء فكا لآبق يقدم على مولاه. فبكى سليمان حتى اشتد بكاؤه، ثم قال: يا أبا حازم، كيف لنا أن نصلح؟ قال: تدعون عنكم الصلف، وتمسكون بالمروءة، وتقسمون بالسوية، قال: وكيف المأخذ لذلك؟ قال: تأخذه من حقه، وتضعه في أهله، قال: يا أبا حازم، من أفضل الخلائق؟ قال: أولو المروءة والنهي، قال: فما أعدل العدل؟ قال: العدل قول الحق عند من ترجوه وتهابه، قال: يا أبا حازم، ما أسرع الدعاء؟ قال: دعاء المحسن إليه للمحسن، قال: ما أفضل الصدقة؟ قال: جهد المقل إلى البائس الفقير، لا يتبعها منّ ولا أذى، قال: من أكيس الناس؟ قال: رجل ظفر بطاعة الله، فعمل بها، ثم دل الناس عليها، فعملوا بها، قال: من أحمق الخلق؟ قال: رجل انحط في هوى أخيه، وهو ظالم، فباع أخرته بدنيا غيره.
قال: يا أبا حازم، هل لك أن تصحبنا، فتصيب منا، ونصيب منك؟ قال: كلاّ. قال: ولم؟ قال: أخاف أن أركن إليكم شيئاً قليلاً، فيذيقني الله ضعف الحياة، وضعف الممات، ثم لا يكون لي منه نصيراً، قال: ارفع إليّ حاجتك؟! قال: نعم تدخلني الجنة، وتخرجني من النار، قال: ليس ذلك إليّ قال: فما لي حاجة سواها، قال: ادع الله