روى جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان صبيحة خمس عشرة من رمضان يقوم في صلاة الصبح، فإذا رفع رأسه من الركعة الأخيرة. قال: اللهم، أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنجِ سلمة بن هشام، اللهم، أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم، أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم، اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف، اللهم العن رعلاً، والعن لحيان، والعن ذكوان، بنو غفار، غفر الله لها، اسلم سالمها الله، وبنو عصية عصوا الله ورسوله، الله أكبر، فدعا كذلك خمس عشرة ليلة حتى إذا كان صبيحة الفطر ترك الدعاء لهم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا نبي الله مالك لا تدعو للنفر؟ قال: وما علمت أنه قدموا؟! قال: بينا هو يذكرهم انفتح عنهم الطريق، يسوق بهما الوليد بن الوليد قد نُكب بالحرة، وقد سار بهم ثلاثاً على قدميه يقول:
هل أنت غلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت
يا نفسي إلا تقتلي تموتي
قال: فهيج بن يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قضى الدنيا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" هذا الشهيد، أنا عليه شهيد ".
ولما خرج الوليد بن الوليد من المدينة إلى عياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام خرجا جميعاً معه، وجاء الخبر قريشاً، فخرج خالد بن الوليد معه نفر من قومه، حتى بلغوا عسفان فلم يصيبوا أثرا ولا خبراً عنهم، وكان القوم قد أخذوا على يد بحر حتى خرجوا على أصح طريق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي سلك حين هاجر إلى المدينة.
وكان سلمة بن هشام في بعث مؤتة، فدخلت امرأته على أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت أم سلمة: ما لي لا أرى سلمة بن هشام! أيشتكي شيئاً؟ قالت امرأته: لا والله، ولكنه لا يستطيع الخروج، إذا خرج صاحوا به وبأصحابه: يا فرار أفررتم في سبيل الله؟! حتى قعد في البيت، فذكرت ذلك أم سلمة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل هم الكُرّار في سبيل الله. فليخرج، فخرج.