للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: وكان سليمان غزاء، يغزو البر والبحر ولا يسمع بملك في ناحية من الأرض إلا أتاه حتى يذله، وكان إذا أراد الغزو أمر بعسكره فضرب، وكان اتخذ ألواحاً من خشب وضم بعضها إلى بعض وعمل لها عمداً من تحتها وسددها بالمسامير الحديد على قدر عسكره، فربما كان عسكره فرسخاً في فرسخ أو أقل أو اكثر، ثم تجيء الشياطين فتدخل تحت الخشب، فتحمل تلك العمد، ثم يأمر الريح وعسكره مسيرة شهر، وكانت الريح تغدو به شهراً، وتروح به شهراً وبعسكره، فذلك قول الله عزّ وجلّ: " رخاء حيث أصاب " مطيعة حيث أراد، وكان الرخاء ريحاً تحمل عسكره إلى حيث أراد سليمان، وإنه ليمر بالزراعة فما تحركها الريح.

وقيل: كانت الشياطين عملوا لسليمان مدينة من قوارير، إذا خرج في المغازي كان يحمل تلك المدينة معه وحشمه وأهل بيته، وكانت ألف ذراع في عشرة آلاف ذراع، فيها ألف سقف كل سقف ألف ذراع، بين كل سقفين عشرة أذرع على كل سقف ما يحتاج إليه من المساكن والقباب والمرافق، فجعل الأعلى قبة فيها مجلسه، على قبتها علم أخمر يضيء منه بالليل للعسكر، وترى بالليل من الأرض البعيدة كما ترى النار، ولتلك المدينة ألف ركن على مناكب الشياطين، تحت كل ركن عشرة من الشياطين.

قال كعب:

وكان سليمان إذا ركب حمل أهله وسار بجيشه وخدمه وكتائبه، وتلك السقوف بعضها فوق بعض على قدر درجاتهم، وقد اتخذ مطابخ ومخابز، يحمل فيها تنانير الحديد وقدوراً عظاماً، يسع كل قدر عشر جرائر وقد اتخذ فيه ميادين للدواب أمامه فيطبخ الطباخون، وخبز الخبازون، وتجري الدواب بين يديه بين السماء والأرض ولريح تهوي بهم، فسار من إصطخر إلى اليمن فسلك المدينة مدينة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال سليمان: هذه دار هجرة نبي في آخر الزمان، طوبى لمن آمن به، وطوبى لمن اتبعه، وطوبى لمن اقتدى به. ثم مضى حتى مر بمكة فقال: هذا مولد نبي في آخر الزمان، طوبى لمن آمن به، وطوبى لمن اتبعه، وطوبى لمن اقتدى به، ورأى حول البيت أصناماً تعبد من دون الله. فلما جاوز

<<  <  ج: ص:  >  >>