واحدة لكنت حقيقاً ألا تضيعها، فكيف إذا اجتمعت، أما أولها فأنت مؤتمن عليه فحق عليك أداء الأمانة فيه. وأما الثانية فأنا إمام ترجوني وتخافني. وأما الثالثة فكلما ارتقى الغلام في الأمور درجة ارتقيت معه ففي هذا ما يرغبك فيما أوصيك به.
إن أول ما آمرك به أن تأخذه بكتاب الله وتقرئه في كل يوم عشراً، يحفظ القرآن حفظ رجل يريد الكسب به. وروه من الشعر أحسنه، وتخلل به في أحياء العرب فخذ من صالح شعرهم من هجاء ومدح، فإنه ليس من قوم إلا وقد هجوا ومُدحوا. وروه جماهير أحياء العرب، ثم تخلل به في مغازي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحفظ من كان معه وحسن بلائهم، وبصّره طرفا من الحلال والحرام والخطب وما يحتاج إليه في قدره وموضعه. ثم أجلسه للناس في كل يوم وأدخل عليه أشراف قريش والعرب وعلية الناس، وأطيبوا لهم الطعام وعجلوا بالغداء فمن أحب بعد الغداء أقام، ومن أحب أن ينصرف فإن للناس حوائج. وأدخل عليه أهل الفقه والدين فإنهم إذا خرجوا من عنده فرآهم الناس ظنوا أنه مثلهم، وإن لم يكن مثلهم، ولا تدخل عليه أهل الفسق والدعارة وشرّاب الخمر، فإنهم إذا خرجوا من عنده ظن الناس أنه مثلهم، وإن لم يكن مثلهم، وإذا سمعت منه الكلمة الحسنة فنبه القوم لها، فلعلهم لم يفطنوا لما جاء به، وفطنت له لاهتمامك بأمره، لأنهم إذا خرجوا أذاعوا ذلك عنه، وإذا سمعت عنه الكلمة العوراء فاصمت عنها، فلعل القوم لم ينتبهوا لها، فإذا خرجوا من عنده فانقله منها إلى غيرها، وخبره بفسادها، ثم انظر إليه في بدنه فمره فليتسن عرضاً، وليحلق شعره، تغلظ قصرته، وعلمه شعر حاتم يسخُ ويمجد، ولا يجعلن ثيابه طوالاً فإنها لباس النوكى، ولا سيما أبناء الملوك، ولا تحملنه على سرج صغير فتبدو منه أليتاه وإن فعل الفساق، ولا تجلسه مع حشمة فإنهم لهم مفسدة وإياك والسوقة فإنهم أسوأ شيء آداباً، وخذ خدمه باللين وطلاقة الروجه على بابه والبشاشة بالناس والتآلف بهم، وإذا أعطيتم فأعطوا حملة القرآن وحملة العلم وأهل الفضل فإنكم تؤجرون على تقريبهم، ويحمدكم الناس على عطيتهم إلا أن يكون في سبب تجده أو وسيلة تكون لأحدهم يقضي ذمامه، وابسطوا أيديكم بالفضل ووجوهكم بالبشر، فإنكم ملوك والناس سوقة، وإنهم يطؤون