ويحك، أين عتبة هذا الذي اقتدى به أهل البصرة؟ قال: فخرج به في الجيش حتى أتى به الجنان فوقف به على عتبة وهو لا يعلم، منكس رأسه، بيده عود ينكت الأرض، فوقف عليه فسلم فرفع رأسه، فقال: وعليكم السلام ورحمة الله. قال: كيف أنت يا عتبة؟ قال: بحال بين حالين، قال: ما هما؟ قال: قدوم على الله بخير أم بشر، ثم نكس رأسه وجعل ينكت الأرض، فقال سليمان بن علي: أرى عتبة قد أحزن نفسه، ولا يبالي ما أصبحنا فيه وأمسينا، ثم قال: يا عتبة، قد أمرت لك بألفي درهم قال: أقبلها منك أيها الأمير على أن تقضي لي معها حاجة، قال: نعم، وسرّ سليمان قال: وما حاجتك؟ قال: تعفيني منها. قال: قد فعلت ثم ولى عنه، وهو يبكي ويقول: قصر إلينا عتبة ما نحن فيه.
لما قدم سليمان بن علي البصرة والياً عليها قيل له إن بالمربد رجلاً من بني سعد مجنوناً سريع الجواب، لا يتكلم إلا بالشعر، فأرسل إليه سليمان بن علي قهرمانه فقال له: أجب الأمير، فامتنع فجره وزبره وخرق ثوبه، وكان المجنون يستقي على ناقة له، فاستاق القهرمان الناقة، وأتى بها سليمان بن علي. فلما وقف بين يديه قال له سليمان: حياك الله يا أخا بني سعد، فقال:
حياك رب الناس من أمير ... يا فاضل الأصل عظيم الخير
إني أتاني الفاسق الجلواز ... والقلب قد طار به اهتزاز
فقال سليمان: إنما بعثنا إليك لنشتري ناقتك. فقال:
ما قال شيئاً في شراء الناقه ... وقد أتى بالجهل والحماقة
فقال: ما أتى؟ فقال:
خرّق سربالي وشق بردتي ... وكان وجهي في الملا وزينتي