حدث أبو الفتح سليم أنه كان في صغره بالري، وله نحو من عشر سنين، قد حضر بعض الشيوخ، وهو يُقرئ القرآن. فلما قرئ عليه قال لي: تقدم فاقرأ فجهد أن أقرأ الفاتحة، فلم أقدر على ذلك لانغلاق لساني، فقال: يا بني، ألك والدة؟ قالت: نعم. قال: قل لها تدعو لك يرزقك الله قراءة القرآن ومعرفة العلم، قالت: نعم. ثم رجعت إلى والدتي فسألتها الدعاء، ففعلت، ثم إني كبرت واشتهيت العربية، فدخلت بغداد، وقرأت بها العربية، وتفقهت. ثم عدت إلى الري، فبينا أنا يوماً في الجامع وقد كتبت مختصر المزني، وأنا أقابل عليه صديقاً لي، وإذا الشيخ قد حضر، وسلم علينا وهو لا يعرفني، وسمع مقابلتنا، وهو لا يعلم ما نقول، ثم قال: متى نتعلم مثل هذا؟ فأردت أن أقول له: إن كان لك والدة قل لها تدعو لك، فاستحييت منه. أو كما قال.
كان سليم ببغداد في حال طلبه العلم ترد عليه كتب من الري، فلا يقرأ شيئاً منها، ولا ينظر فيها، ويجمعها عنده، إلى أن فرغ من تحصيل ما أراد، ثم فتحها فوجد في بعضها ماتت أمك، وفي بعضها ما يضيق له صدره، فقال: لو كنت قرأتها قطعتني عن تحصيل ما أردت. وتفقه بعد أن جاء الأربعين.
صنف سليم الكثير في الفقه وغيره، ودرّس. وهو أول من نشر هذا العلم بصور، وانتفع به جماعة. وكان يحاسب نفسه على الأنفاس، ولا يدع وقتاً يمضي عليه بغير فائدة، إما ينسخ أو يدرس أو يقرأ. ونسخ شيئاً كثيراً.
حدث عنه أبو الفرج الإسفراييني أنه نزل يوماً إلى داره ورجع فقال: قرأت جزءاً في طريقي.
وحدث المؤمل بن الحسن أنه رأى سليماً وقد جفا عليه القلم، فإلى أن قطّه جعل يحرك شفتيه، فعلم أنه يقرأ أثناء إصلاحه القلم، لئلا يمضي عليه زمان وهو فارغ، أو كما قال.
غرق الفقيه سليم في بحر القلزم عند ساحل جدة بعد عودته من الحج في صفر سنة سبع وأربعين وأربع مئة، وكان نيف على الثمانين.