يقدم على عطاء في النسك " وأنه مر يوماً بسلامة، جارية كانت لرجل من قريش، وهي التي اشتراها يزيد بن عبد الملك، فسمع غناءها فوقف يستمع فرآه مولاها، فدنا منه فقال: هل لك أن تدخل فتسمع فتأبى عليه، فلم يزل به حتى تسمح، وقال: أقعدني في موضع لا أراها ولا تراني، قال: أفعل، فدخل فتغنت فأعجبته، فقال مولاها: هل لك أن أحولها إليك فتأبى ثم تسمح، فلم يزل يسمع غناءها حتى شغف بها وشغفت به، وعلم ذلك أهل مكة. فقالت له يوماً: أنا والله أحبك، قال: وأنا والله أحبك، قالت: وأحب أن أضع فمي على فمك، قال: وأنا والله، قال: وأحب أن ألصق صدري بصدرك وبطني ببطنك، قال: وأنا والله، قالت: فما يمنعك فوالله إن الموضع لخال؟ قال: إني سمعت الله يقول: " الأخلاّء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " وأنا أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك تؤول بنا إلى عداوة يوم القيامة، قالت: يا هذا، أتحسب أن ربي وربك لا يقبلنا إن نحن تبنا إليه؟ قال: بلى، ولكن لا آمن أن أفاجأ، ثم نهض، وعيناه تذرفان، فلم يرجع وعاد إلى ما كان عليه من النسك.
قالوا: كانت بالمدينة جارية لآل أبي رمانة أو لآل تفاحة، يقال لها سلامة، فكتب فيها يزيد بن عبد الملك لتشترى له، فاشتريت بعشرين ألف دينار، فقال أهلها: ليس تخرج حتى تصلح من شأنها، فقالت الرسل: لا حاجة لكم بذلك، معنا ما يصلحها، فخرج بها حتى أُتي بها سقاية سليمان فأنزلها رسله، فقالت: لا والله، لا أخرج حتى يأتيني قوم كانوا يدخلون علي فأسلم عليهم، قال: فامتلأت رحبة ذلك الموضع، ثم خرجت فوقفت بين الناس وهي تقول: من الخفيف
فارقوني وقد علمت يقيناً ... ما لمن ذاق ميتة من إياب
إن أهل الحصاب قد تركوني ... موزعاً مولعاً بأهل الحصاب
أهل بيت تبايعوا للمنايا ... ما على الدهر بعدهم من عتاب
فما زالت تبكي ويبكون حتى راحت، ثم رأسلت إليهم ثلاثة آلاف درهم.