قفل أبو ريحانة من بعث غزا فيه. فلما انصرف أتى أهله فتعشى من عشائه ثم دعا بوضوء فتوضأ منه، ثم قام إلى مسجده، فقرأ سورة ثم أخرى، فلم يزل ذلك مكانه كلما فرغ من سورة افتتح أخرى، حتى إذا أذّن المؤذّن من السّحر شد عليه ثيابه فأتته امرأته فقالت: يا أبا ريحانة قد غزوت فتعبت في غزوتك ثم قدمت، ألم يكن لي منك حظ ونصيب؟ فقال: بلى، والله، ما خطرت لي على بال، ولو ذكرتك لكان لك علي حق، فقالت: فما الذي شغلك يا أبا ريحانة؟ قال: لم يزل يهوى قلبي فيما وصف الله في جنته من لباسها وأزواجها ولذاتها حتى سمعت المؤذّن.
كان أبو ريحانة مرابطاً بالجزيرة بميافارقين، فاشترى رسناً من نبطي من أهلها بأفلس، فقفل أبو ريحانة ولم يذكر الفلوس أن يدفعها إلى صاحبها حتى انتهى إلى عقبة الرستن وهي من حمص على اثني عشر ميلاً فذكرها، فقال لغلامه: هل دفعت إلى صاحب الرسن فلوسه؟ قال: لا، قال: فنزل عن دابته فاستخرج نفقة من نفقته فدفعها إلى غلامه وقال لأصحابه: أحسنوا معاونته على دوابي حتى يبلغ أهلي. قالوا: فما الذي تريد؟ قال: أنصرف إلى بيعي حتى أدفع إليه فلوسه فأودي أمانتي. فانصرف حتى أتى ميافارقين فدفع الفلوس إلى صاحب الرسن، ثم انصرف إلى أهله.
ركب أبو ريحانة البحر وكان يخيط فيه بإبرة معه، فسقطت إبرته في البحر فقال: عزمت عليك يا رب إلا رددت علي إبرتي، فظهرت حتى أخذها.
قال: واشتد عليهم البحر ذات يوم وهاج فقال: اسكن أيها البحر، فإنما أنت عبد مثلي قال: فسكن حتى صار كالزيت.