إلى الشام مع رهط من قريش. فوالله، ما علمت امرأة بمكة ولا رجلاً إلا قد حمّلني بضاعة، وكان وجه متجرنا من الشام عزَّةَ من أرض فلسطين. فخرجنا حتى قدمناها، وذلك حين ظهر قيصر صاحب الروم على من كان في بلاده من الفرس، وأخرجهم منها، وردّ عليه صليبه الأعظم، وقد كان استلبوه إياه. فلما بلغه ذلك، وكان منزله بحمص من أرض الشام، فخرج منها يمشي متشكراً إلى بيت المقدس ليصلي فيه، فبسط له البسط، وتطرح له عليها الرياحين حتى انتهى إلى إيلياء، فصلى بها، فأصبح ذات ليلة وهو مهموم، يقلب طرفه إلى السماء فقالت له بطارقته: أيها الملك، لقد أصحبت مهموماً، فقال: أجل، فقالوا: وما ذاك؟ فقال: أُريت في هذه الليلة أن ملك الختان ظاهر، فقالوا: فوالله ما نعلم أمة من الأمم تختتن إلا اليهود، وهم تحت يدك وفي سلطانك، فإن كان قد وقع هذا في نفسك منهم فابحث في مملكتك كلها فلا يبقى يهودي إلا ضربت عنقه، فتستريح من هذا الهم. فإنهم في ذلك من رأيهم يُديرونه إذ أتاهم رسول صاحب بصرى برجل ن العرب قد دفع إليهم فقال: أيها الملك، هذا رجل من العرب، من أهل الشاء والإبل يحدثك عن حدث كان ببلاده، فسله عنه، فلما انتهى إليها قال لترجمانه: سله ما هذا الخبر الذي كان في بلاده؟ فقال:
كان رجل من العرب من قريش خرج يزعم أنه نبيّ، وقد اتبعه أقوام وخالفه آخرون، وقد كانت بينهم ملاحم من مواطن، فخرجت من بلادي، وهم عن ذلك. فلما أخبره الخبر قال: جرِّدوه، فإذا هو مختون، فقال: هذا والله الذي رأيت، لاماتقولون، أعطه ثوبه. انطلق لشأنك. ثم دعا صاحب شرطته وقال له: قلب في الشام ظهراً وبطناً حتى تأتيني برجل من قوم هذا لنسأله عن شأنه. فوالله إني وأصحابي لبغرّة إذ هجم علينا فسألنا: ممن أنتم؟ فأخبرناه، فساقنا إليه جميعاً. فلما انتهينا إليه - قال أبو سفيان: فوالله ما رأيت من رجل قط أزعم أنه كان أدهى من ذلك الأغلف، يريد هرقل ح فلما انتهينا إليه قال: أيّكم أمسّ به رحماً فقلت: أنا. فقال: أدنوه مني، فأجلسني بين يديه ثم أمر بأصحابي فأجلسهم خلفي وقال: إن كذبٍ فردُّوا عليه - قال أبو سفيان: ولقد عرفت أن لو كذبت ما ردوا علي، ولكني كنت امرأ سيداً أتكرم وأستحي من الكذب،