فلما دعا صفوان وقد رأى ما أخذ أهل بدر ومن بعدهم إلى الفتح، فأعطاه في أهل الفتح أقل مما أخذ من كان قبله أبى أن يقبله وقال: يا أمير المؤمنين، لست معترفاً لأن يكون أكرم مني أحد، ولست آخذاً أقل مما أخذ من هو دوني، أو من هو مثلي. فقال: إنما أعطيتهم على السابقة والقدِيمة في الإسلام لا على الأحساب. قال: فنعم إذن، وأخذ، وقال: أهلُ ذاك هم.
قال أبو محذورة: كنت جالساً عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ جاء صفوان بن أمية بجفنة يحملها نفر في عناء، فوضعها بين يدي عمر. فدعا عمر ناساً مساكين وأرقّاء من أرقّاء الناس حوله، فأكلوا معه ثم قال عند ذلك: فعل الله بقوم - أو لحى الله قوماً - يرغبون عن أرقائهم أن يأكلوا معهم. فقال صفوان: أما والله ما نرغب عنهم ولكنا نستأثر عليهم. لا نجد من الطعام الطيب ما نأكل ونطعمهم.
قال الشعبي: كان صفوان بن أمية يبغض المقابر. فإذا شُعَل نيرانٍ قد أقبلت ومعها جنازة. لما دنوا من المقبرة قالوا: انظروا قبر كذا وكذا. قال: وسمع رجل صوتاً من القبر حزيناً موجعاً يقول: " لخفيف "
أنعمّ اللهُ بالظعينة عينا ... وبمسراكِ يا أمينُ إلينا
جزعاً ما جزعت من ظلمة القب ... ر ومن مسّك التراب أمينا
قال: فأخبر القوم بما سمع فبكوا حتى أخضلوا لحاهم ثم قالوا: هل تدري من أمينة؟ قلت: لا. قالوا: صاحبة السرير هذه، أختها ماتت عام أول. فقال صفوان: قد علمت أن المَيْتَ لا يتكلم فمن أين هذا الصوت؟! بينما عبد الله بن صفوان يدفن أباه أتاه راكب وقال: قتل أمير المؤمنين عثمان فقال: والله ما أدري أي المصيبتين أعظم: موت أبي أو قتل عثمان.