لما مات معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان اختلف الناس بالشام. فكان أول من خالف من أمراء الأجناد النعمان بن بشير بحمص. دعا إلى ابن الزبير، ودعا زُفر بن الحارث بقنسرين لابن الزبير، ودعا الضحاك بن قيس الفهري بدمشق إلى ابن الزبير سراً لمكان من بها من بني أمية وكلب. وبلغ حسان بن مالك بن بحدل ذلك وهو بفلسطين. وكان هواه في خالد بن يزيد، فأمسك، وكتب إلى الضحاك بن قيس كتاباً يعظّم فيه حق بني أمية وبلاءهم عنده، ويذم ابن الزبير، ويذكر خلافه ومفارقته الجماعة، ويدعوا إلى أن يبايع إلى الرجل من بني حرب. وبعث بالكتاب إليه مع ناغضة بن كريب الطابخي، وأعطاه نسخة الكتاب وقال: إن قرأ الضحاك كتابي على الناس، وإلا فاقرأه أنت، وكتب إلى بني أمية يعلمهم ما كتب به إلى الضحاك، وما أمر به ناغضة، ويأمرهم أن يحضروا ذلك. فلم يقرأ الضحاك كتاب حسان، فكان في ذلك اختلاف وكلام، فسكّتهم خالد بن يزيد، ونزل الضحاك فدخل الدار. فمكثوا أياماً، ثم خرج الضحاك ذات " يوم " فصلى بالناس صلاة الصبح، ثم ذكر يزيد بن معاوية فشتمه، فقام إليه رجل من كلب فضربه بعصاً، واقتتل الناس بالسيوف، ودخل الضحاك دار الإمارة، فلم يخرج، وافترق الناس ثلاث فرق: فرقة زبيرية، وفرقة بَحْدلية - هواهم لبني حرب - والباقون لا يبالون لمن كان الأمر من بني أمية. وأرادوا الوليد بن عتبة بن أبي سفيان على البيعة له. فأبى، وهلك تلك الليالي. فأرسل الضحاك بين قيس إلى بني أمية فأتاه مروان بن الحكم وعمرو بن سعيد وخالد وعبد الله ابنا يزيد بن معاوية فاعتذر إليهم، وذكر حسن بلائهم عنده، وأنه لم يُرِد شيئاً يكرهونه، وقال: اكتبوا إلى حسان بن مالك بن بحدل حتى ينزل الجابية، ثم نسير إليه فنستخلف رجلاً منكم، فكتبوا إلى حسان، فنزل الجابية، وخرج الضحاك بن قيس وبنوا أمية يريدون الجابية. فلما استقلت الرايات موجهة قال معن بن ثور السلمي ومن معه من قيس دعوتنا إلى بيعة رجل أحزم الناس رأياً وفضلاً وبأساً. فلما أجبناك خرجت إلى هذا الأعرابي