للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمين، أفتجعل العرب يقيمون أسواقهم قصّابين وقصّارين وحجّامين؟! قال: فوثب عن كرسيه، ولم يُعلمه أنه قَبِل منه، وانصرف الأحنف.

قال: فما بتّ بليلةٍ أطول منها، أتسمّع الأصوات. قال: فلما نادى أول المؤذنين قال لمولى له: ائت المسجد فانظر هل حدث أمر؟ فرجع فقال: صلى الأمير وانصرف، ولم يحدث إلا خير.

كان الأحنف استُعمل على خراسان. فلما أتى فارس أصابته جنابة في ليلة باردة. قال: فلم يوقظ أحداً من غلمانه ولا جنده، وانطلق يطلب الماء. قال: فأتى على شوك وشجر حتى سالت قدماه دماً، فوجد الثلج. قال: فكسره واغتسل. قال: فقام فوجد على ثيابه نعلين محذوتين جديدتين فلبسهما. فلما أصبح أخبر أصحاب. فقالوا: والله ما علمنا بك.

قال مغيرة: شكا ابن أخي الأحنف بن قيس وجعاً بضرسه فقال الأحنب: لقد ذهبت عيني منذ ثلاثين سنة، فما ذكرتها لأحد.

دخل الأحنف بن قيس على معاوية فقال: أنت الشاهر علينا سيفك يوم صفين، والمخذّل عن أم المؤمنين؟! فقال: يا معاوية، لا تردّ الأمور على أدبارها، فإن السيوف التي قاتلناك بها على عواتقنا، والقلوب التي أبغضناك بها بين جوانحنا، والله لا تمدّ إلينا شبراً من غدر إلا مددنا إليك ذراعاً من خَتْر، ولئن شئت لتستصفَينّ كدر قلوبنا بصفوٍ من عفوك. قال: فإني أفعل.

قال الأحنف: ما نازعني أحد قط إلا أخذت في أمري بثلاث خلال: إن كان فوقي عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان مثلي تفضلت عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>