خلفوا وما رأوا في طريقهم، فذكروا العجوز وقالوا: نخبر الأمير عن عجب رأيناه، وأخبروه بقصة العجوز وصنيعها وقولها فيه، ثم قالوا: ولها عندنا كتاب إليك ودفعوه إليه، فلما قرأ الكتاب ضحك وقال: لحاها الله من عجوز ما أحمقها! تكتب إليَّ من أقصى الحجاز تسألني جُبْن خراسان فلم يدع للوفد حاجة إلا قضاها، فلما أرادوا الخروج قال: هل أنتم مبلغوها الجبن الذي سألت؟ قالوا: نعم، وقد كان أمير بجبنتين عظيمتين فأمر بنقبهما وملأهما دنانير وسوّى عليهما ثم قال: بلغوها الجبنتين، فلما قدموا عليها نزلوا، قالوا لها: ويحك كتبت إلى مثل طلحة الطلحات تستطعمينه جبن خراسان! قالت: أو قد بعث إلي بشيء؟ قالوا: نعم، وأخرجوا الجبنتين فكسرتهما فتناثرت الدنانير ثم قالت: أمثلي تسأل طلحة جبناً؟! ثم قالت: أقرأ عليكم كتابي إليه؟ قالوا: نعم. فإذا في كتابها:" الرجز "
يا أيُّها المائح دَلوي دونكا ... إني رأيتُ النّاس يحمدونكا
يثنون خيراً ويمجّدونكا ثم قالت: أفقرأ عليكم جوابهَ؟ قالوا: نعم، فإذا جوابه:" الرجز "
إنّا ملأناها تفيض فيضا ... فلن تخافي ما حَييت غَيضا
خذي لك الجبن وعودي أيضاً
قال الخليل بن أحمد: قال طلحة الطلحات: ما بات لرجل علي موعد منذ عقلت إلا القليل، وذلك أنه يتململ على فراشه ليغدو فينظفر بحاجته، فلأنا أشد تململاً بالخروج إليه من عدتي تخوفاً لعارض خلف، إن الخلف ليس من أخلاق الكرام.