الدين، محمد سيد المرسلين، وعلى أهل بيته الطاهرين، على رغم أنف الراغمين. حضر مدينة السلام رجل من أهل خراسان يريد الحج، فاشتغل بكتابة الحديث إلى أن يأتي وقت الحج، فرأى في منامه في ثلاث ليال متواليات العباس بن عبد المطلب في وسط مدينة السلام وهو يبني داراً. فكلما فرغ من موضع منها تقدم رجل فهدمه فقال صاحب هذه الرؤيا: يا عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ من هذا الذي قد بليت به يهدم كلما تبني؟ فقال: هذا علي بن عيسى فبهذه الرؤيا، ثم تأملت من يأخذ الرقاع من المتظلمين وإذا هو يتناول ويرمي خلفه فناولته الرقعة. وقلت لصاحب المركب: ادفع فدفع. وصرت إلى القاضي ابن زبر وهو قائم ينتظر ما يكون. فلما رآني سالماً حمد الله عز وجل ودخلت فقال لي: أي شيء كان؟ فقلت: رأيت خادماً وامرأة عليها نقاب كحلي، فقال: هذه أم موسى، فتناول الخادم الرقعة، فقال لي: قرأها؟ قلت: لا. قال: فقرأتها أنت؟ قلت: لا. فدعا بالمائدة وأكلت معه وكان صيفاً، وقام لينام. فدخل البواب فقال: القاضي ابن الأشناني قد جاء. فقال: يدخل، هذا منهم، فدخل وصاح، يهنئك أيهاالقاضي عزل عيسى وقبض عليه، فقال: أي شيء السبب؟ فقال: رقعة رفعت بأن رجلاً صالحاً رأى رؤيا كذا. فقال أمير المؤمنين المقتدر: هذه رؤيا صحيحة، يصرف ويقبض عليه، فأمر القاضي ابن زبر أن يسرج له وركب هو وابن الأشناني. فلما كان عند العتمة وافى ومعه عهده على القضاء بمصر ودمشق.
وكان من أوسع الناس حيلة، وأحذقهم بأخذ دينار ودرهم وهدية، ولا يمس هدية أو تقضى حاجة صاحبها. وحدث بمصر عن جماعة، وكانت مجالسة حفلة عامرة يملي ويقرأ عليه، ولم يزل قاضياً على مصر إلى أن صرف في سنة سبع عشرة وثلاث مئة، فكانت أيامه ستة أشهر. وولي قضاء مصر مراراً. وتوفي سنة تسع وعشرين وثلاث مئة بالفسطاط.