أمر بالعزمة وحمل على الجهاد انبسط لأمر الله فأفلج الله حجته، وأجاز كلمته، وأظهر دعوته، وفارق الدنيا تقياً نقياً.
ثم قام بعده أبو بكر فسلك سنته وأخذ سبيله، وارتدت العرب - أو من فعل ذلك منهم - فأبى أن يقبل منهم بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا الذي كان قابلاً، أشرع السيوف من أغمادها، وأوقد النيران في شعلها ثم ركب بأهل الحق أهل الباطل، فلم يبرح يقطع أوصالهم ويسقي الأرض دماءهم حتى أدخلهم في الذي خرجوا منه، وقررهم بالذي نفروا عنه، وقد كان أصاب من مال الله بكراً يرتوي عليه، وحبشية أرضعت ولداً له فرأى ذلك عند موته غصة في حلقه، فأدى ذلك إلى الخليفة من بعده وفارق الدنيا تقياً نقياً على منهاج صاحبه.
ثم قام بعده عمر بن الخطاب فمصر الأمصار وخلط الشدة باللين. وحسر عن ذراعيه وشمر عن ساقيه، وأعد للأمور أقرانها، وللحرب آلتها. فلما أصابه قين المغيرة بن شعبة أمر ابن عباس يسأل الناس: هل يثبتون قاتله؟ فلما قيل: قين المغيرة بن شعبة استهل بحمد ربه أن لا يكون أصابه ذو حق في الفيء فيحتج عليه بأنه إنما استحل دمه بما استحل من حقه. وقد كان أصاب من مال الله بضعة وثمانين ألفاً فكسر لها رباعه وكره بها كفالة أولاده، فأداها إلى الخليفة من بعده وفارق الدنيا تقياً نقياً على منهاج صاحبه.
ثم إنك يا عمر بني الدنيا، ولدتك ملوكها وألقمتك ثديها فربيت فيها تلتمسها مظانها. فلما وليتها ألقيتها حيث ألقاها الله، هجرتها وجفوتها وقذرتها إلا ما تزودت منها. فالحمد لله الذي جلا بك حوبتنا، وكشف بك كربتنا فامض ولا تلتفت، فإنه لا يعز على الحق شيء، ولا يذل على الباطل شيء. أقول قولي وأستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات.
قال أبو أيوب: فكان عمر بن عبد العزيز يقول في شيء قال لي ابن الأهتم: امض ولا تلتفت.