ولا يمنعك من قضاء حقنا، وصلة أرحامنا حاجتنا إليك، وغناك عنا، فإنه ليس كل حاجة تتم، ولا كل غنى يدوم، وقد عودتنا من نفسك عادة صارت لنا عليك فريضة إن تقف بنا عندها رضينا بها، وإن زدتنا عليها حملنا زيادتها، ونحن وأنت كما قال الأعشى لقيس بن النمر:
عودت كندة عادةً فاصبر لها ... اغفر لجاهلها وروّ سجالها
وأعلم أنك لا تقضي لنا حاجة إلا قضينا لك مثلها، ولا تقبض عنا يدك فوالله إنه لتجيء منك الفلتة من الحرمان فكأنما جاءت من غيرك، يشك فيها الشاهد، ويكذب بها الغائب، ويطلب لها أهل الرأي المخرج لك منها حتى يبتغوا لك من الغدر ما يجوز الحرمان، وكذلك بحظك الغالب وقدرك الجالب. فقال معاوية: حسبك فما يتسع بيت ما لي لمكافأتك، والله ما في قريش رجل أحب أن يكون ابن هند منك، ولكني إذا ذكرت مكانك من علي ومكان علي منك انقبضت عنك، ثم أذكر أني لا أقيس بك رجلاً من قريش إلا عظمت عنه، ولا أزنك إلا رجحت به فعطفت عليك. فالغالب على ذلك الأوليان، بك مني وسيلة لا أخيب دالتها، وأثرة لا أستكثر عطيتها، وأما ما عودتكم فهو لكم ما كنتم لي، وأما أن تقضي من حقك فإني لا أكون على حال إلا وفي يديك مني أكثر مما في يدي منك، وأما البخل فكيف أبخل بمال، إنما تغيب عني أربعة أشهر حتى يرجع إلي بيت مالي، فقد اعتقدت به المنن، وما أحبسه إلا لأعطيه، وما أجمعه لأمنعه، ولأنا بإعطائه أشد سروراً منكم بأخذه، وقد قدمت علي وقد خلفت الحقوق في المال، ولك عودة، والدهر بيني وبينك أطرق مشتت، فلا تضربن بيني وبينك بالإساءة. كم دينك يا بن جعفر؟ قال: ألف ألف درهم. فقال معاوية: يا سعد، اقضها عنه، واجبهاغداً من فسا ودرابجرد، فغضبت قريش الشام حين أعطاه ألف ألف درهم فقالت: نظن معاوية هائباً لابن جعفر، فقال معاوية من أبيات:
تقول قريش حين خفت حلومها ... نظن ابن هند هائباً لابن جعفر