العراقي، ثم قال للجارية: إني قلت لك ما قلت حين خرجت بك من المدينة، وأخبرتك أنك ليزيد وقد صرت لي وأنا أشهد الله أنك لعبد الله بن جعفر، وإني قد رددتك عليه فاستتري.
ثم خرج بها حتى قدم المدينة فنزل قريباً من عبد الله بن جعفر فقيل لعبد الله: هذا العراقي ضيفك الذي صنع بنا ما صنع قد نزل العرصة لا حياه الله، فقال عبد الله: مه، أنزلوا الرجل وأكرموه، فلما استقر بعث إلى عبد الله بن جعفر: جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أذنة خفيفة لأشافهك بشيء فعلت: فأذن له. فلما دخل سلم عليه وقبل يديه، وقربه عبد الله، ثم قص عليه القصة حتى فرغ، ثم قال: قد والله وهبتها لك قبل أن أراها أو أضع يدي عليها، فهي لك ومردودة عليك، وقد علم الله إني ما رأيت لها وجهاً إلا عندك، وبعث إليها فجاءت، وجاءت بما جهزها به موفراً، فلما نظرت إلى عبد الله خرت مغشياً عليها، وأهوى إليها فضمها إليه، وخرج العراقي وتصايح أهل الدار: عمارة عمارة، فجعل عبد الله يقول ودموعه تجري: أحلم هذا؟ أحق هذا؟ ما أصدق بهذا. فقال له العراقي جعلت فداك، ردها الله عليك بإيثارك الوفاء وصبرك على الحق وانقيادك له، فقال عبد الله: الحمد لله، اللهم إنك تعلم أني صبرت عنها، وآثرت الوفاء، وسلمت لأمرك، فرددتها علي بمنك. قالت: الحمد لله، ثم قال: يا أخا العراق، ما في الأرض أعظم منك منة وسيجازيك الله تعالى. فأقام العراقي أياماً وباع عبد الله غنماً بثلاثة آلاف دينار، وقال لقهرمانه: احملها إليه وقل له: اعذر واعلم أني لو وصلتك بكل ما أملك لرأيتك أهلاً لأكثر منه، فرحل العراقي محموداً وافر العرض والمال.
قيل لمعاوية بن عبد الله: ما بلغ من كرم عبد الله بن جعفر؟ قال: كان ليس له مال دون الناس، هو والناس في ماله شركاء، كان من سأله أعطاه ومن استمنحه شيئاً منحه، لا يرى أنه يقتصر فيقصر، ولا يرى أنه يحتاج فيدخر. قال الشماخ بن ضرار لعبد الله بن جعفر:
إنك يا بن جعفر نعم الفتى ... ونعم مأوى طارق إذا أتى
ورب ضيف طرق الحي سرى ... صادف زاداً وحديثاً ما اشتهى