إذا بطأت عن ساحة الخد ساقها ... دم بعد دمع إثره يتصبب
فإن تسعدا نندب عبيداً بقولةٍ ... وقل له منا البكا والتنحب
ثم نزل صاحبه فعقر ناقته وقال له القرشي: خذ في صوت أبي يحيى، فاندفع يتغنى:
أسعداني بدمعةٍ أسراب ... من دموعٍ كثيرة التسكاب
إن أهل الحصاب قد تركوني ... مولعاً مولهاً بأهل الحصاب
أهل بيتٍ تبايعوا للمنايا ... ما على الموت بعدهم من عتاب
فارقوني وقد علمت يقيناً ... ما لمن ذاق ميتةً من إياب
كم بذاك الحجون من حي صدقٍ ... وكهول أعفةٍ وشباب
سكنوا الجزع جزع بيت أبي مو ... سى إلى النخل من صفي الشباب
فلي الويل بعدهم وعليهم ... صرت فرداً وملني أصحابي
قال ابن أبي دباكل: فوالله، ما تمم صاحبه منها ثالثاً حتى غشي على صاحبه، وأقبل يصلح السرج على بغلته، فسألته: من هو؟ فقال: رجل من جذام قلت: بمن يعرف؟ قال: بعبد الله بن المنتشر. قال: ولم يزل القرشي على حاله ساعة ثم أفاق، فجعل الجذامي ينضح الماء على وجهه ويقول كالمعاتب له: أنت أبداً مصبوب على نفسك. من كلفك ما ترى؟ ثم قرب إليه الفرس. فلما علاه استخرج الجذامي من خرجٍ على البغل قدحاً وإداوة ماء، فجعل في القدح تراباً من تراب قبر ابن سريج، وصب عليه من ماء الإداوة ثم قال: هاك فاشرب هذه السلوة، فشرب، ثم فعل هو مثل ذلك، وركب على البغل، وأردفني، فخرجنا، لا والله ما يعرضان بذكر شيء مما كانا فيه، ولا أرى في وجوههما شيئاً مما كنت أرى مثل ذلك. فلما اشتمل علينا أبطح مكة قال: انزل يا خزاعي، فنزلت وأومأ الجذامي إلى القرشي بكلام فمد يده إلي وفيها شيء فأخذته. فإذا هو عشرون ديناراً، ومضيا، فانصرفت إلى قبره ببعيرين فاحتملت عليهما أداة الراحلتين اللتين عقراهما، فبعتهما بثلاثين ديناراً.