العنكبوت، فقالوا: لو دخل ههنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه. فمكث فيه ثلاثاً.
وعن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين. ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طرفي النهار بكرة وعشياً. فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنّة وهو سيد القارة. فقال له: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، أريد أن أسيح في الأرض، فأعبد ربي عز وجل، فقال له ابن الدغنّة: فإن مثلك لا يُخرج، ولا يخرج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلدك، فرجع وارتحل معه ابن الدغنة. فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم: إن أبا بكر لا يُخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟! فلم تكذب قريش جوار ابن الدغنة، وقالوا لابن الدغنة: مُر أبا بكر فليتعبد في داره، وليصل فيها، وليقرأ فيها ما شاء، ولا يؤذنا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فقال ابن الدغنة ذلك لأبي بكر.
فلبث أبو بكر بذلك يعبد الله في داره، ولا يستعلن بصلاته ولا بقراءته في غير داره، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره، وكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، فيتعجبون منه، وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلاً بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم فقالوا: إنا كنا أجزنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك، فابتنى مسجداً بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فانهه، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقري لأبي بكر الاستعلان.