يحرقها، فلما جاءها جمع حطباً وحرق بابها، وأخبر بذلك، فقال: دعوه! فإنه رسول. ثم ناوله الكتاب، فلم يضعه من يده حتى ركب إليه، فلما رآه عمر قال: احبسوه عني في الشمس ثلاثة أيام، فلما مضت قال: يا بن قرط، الحقني إلى الحرة - وفيها إبل الصدقة - قال: انزع ثيابك، فألقى إليه نمرة من أوبار الإبل، ثم قال: امتح، واسقِ هذه الإبل! فلم ينزع حتى تعب، ثم قال: متى عهدك يا بن قرط بهذا؟ قال: قريب يا أمير المؤمنين، قال: فلذلك بنيت العلية وارتفعت بها على المسكين والأرملة واليتيم؟ ارجع إلى عملك ولا تعد! عن أبي حذيفة إسحاق بن بشر قال: وقد كان عمر بن الخطاب وجّه عبد الله بن قرط إلى حمص، ثم وجد عليه عمر، فعزله، وولى عبادة بن الصامت الأنصاري حمص، فلما قدمها قام في الناس خطيباً، فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: ألا إن الدنيا خضرة يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق، يحكم فيه ملك قادر، ألا وإن للدنيا بنين، وللآخرة بنين، فكونوا من بني الآخرة، ولا تكونوا من بني الدنيا؛ فإن كل أم يتبعها بنوها يوم القيامة.
قم يا شداد بن أوسٍ فعظِ الناس - وكان شداد مفوهاً، قد أعطي لساناً وحكمةً وبياناً - فقال: يا أيها الناس، تعاهدوا كتاب الله عز وجل، وإن تركه كثير من الناس، فإنكم لن تروا من الخير إلا أسبابه، ثم إن الله عز وجل قد جمع الخير كله بحذافيره، فجعله في الجنة، وجمع الشر كله بحذافيره، فجعله في النار، وإن الجنة حزنة، وإن النار سهلة، ألا وإن الجنة حفت بالمكاره والصبر، ألا وإن النار حفت بالهوى والشهوات، فمن كشف حجاب الكره والصبر أسفر عن الجنة، ومن أسفر عن الجنة كان من أهلها؛ ألا فاعملوا