للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا والله ما أهجو رجلاً هذا شعره، فخرج ابن بشير، فاشترى أفضل من الشراء الأول من الهدايا، وقدم بها على جرير، فأخذها وقال له: ما أقدمك؟ قال: جئت مستجيراً بالله وبك من رجل هجاني، قال: قد أجارك الله وكفاك، أين أنت عن ابن عمك الأحوص بن محمد؟ قال: هو الذي هجاني، قال: فأطرق ساعةً ثم قال: أليس الذي يقول: من الطويل

تمشى بشتمي في أكاريس مالك ... شبابة كالكلب الذي ينبح النجما

فما أنا بالمخسوس في جذم مالكٍ ... ولا بالمسمى ثم يلتزم الاسما

ولكن بيتي إن سألت وجدته ... توسط منها العز والحسب الضخما؟

لا والله، لا أهجو رجلاً هذا شعره. فاشترى أفضل من تلك الهدايا، وقدم على الأحوص، فأهداها له، وصالحه.

عن إسماعيل بن محمد المخزومي قال: اجتمع خمس نسوةٍ عند امرأةٍ من أهل المدينة، فقلن: أرسلي إلى الأحوص، فإنا نحب أن نتحدث معه، ونسمع من شعره، قالت: إذاً لا يزيد إذا خرج من عندكن، وعرفكن أن يفضحكن بالشعر، فلم يزلن بها حتى أرسلت رسولاً يذكر رسولاً يذكر له أمرهن، ولا يسميهن، ويأتي مخمراً رأسه.

ففعل، وتحدث معهن، وأنشدهن؛ فلما أراد الخروج شق طرة من ردائه فوضعها على جدار باب الدار، ثم تيمم الموضع لما أصبح، فطاف عليه حتى وجد العلامة، فقال: من الكامل

خمس دسنن إليّ في لطفٍ ... حور العيون نواعم زهر

فطرقتهن مع الرسول وقد ... نام الرقيب، وحلق النسر

متأبطاً للحي إن فزعوا ... عضباً يلوح بمتنه أثر

فعكفن ليلتهن ناعمةً ... ثم استفقن وقد بدا الفجر

بأشم معسولٍ بحاجبه ... غض الشباب رداؤه غمر

قامت تخاصره لكلتها ... تمشي التأود غادة بكر

فتناغيا من دون نسوتها ... كلما يُسَرُّ كأنه سحر

كل يرى أن الشباب له ... في كل مبلغ لذةٍ عذر

<<  <  ج: ص:  >  >>