المأمون، ثم نظر إلى أصحابه فقال: أحدهم يطلب الحديث ثلاثة أيام ثم يقول: أنا من أصحاب الحديث؟! أعطوه ثلاثة دراهم.
قال محمد بن حفص الأنماطي: تغدينا مع المأمون في يوم عيد. قال: فأظنه وضع على مائدته أكثر من ثلاث مئة لون. قال: فكلما وضع لون نظر المأمون إليه فقال: هذا نافع لكذا، ضار لكذا، فمن كان منكم صاحب بلغم فليجتنب هذا، ومن كان منكم صاحب صفراء فليأكل من هذا، ومن غلبت عليه السوداء فلا يعرض لهذا، ومن قصده قلة الغذاء فليقتصر على هذا. قال: فوالله إن زالت تلك حاله في كل لون يقدم إليه حتى رفعت الموائد، فقال له يحيى بن أكثم: يا امير المؤمنين، إن خضنا في الطب كنت جالينوس في معرفته، أو في النجوم كنت هرمس في حسابه، او في الفقه كنت علي بن أبي طالب في علمه، أو ذكر السخاء كنت حاتم طيئ في صفته، أو صدق الحديث فأنت أبو ذر في لهجته، أو الكرم فأنت كعب بن مالك في فعاله، أو الوفاء فأنت السموءل بن عادياء في وفائه. فسر بهذا الكلام، وقال: يا أبا محمد، إن الإنسان إنما فضل بعقله، لولا ذلك لم يكن لحم أطيب من لحم، ولا دم أطيب من دم.
قال: ونظر يوماً إلى رؤوس آنيته محشوة بقطن، وكانت قبل ذلك بأطباق فضة، فقال لصاحب الشراب: أحسبت يا بني أنما تباهي بالذهب والفضة من قلاً عنده، واما نحن فينبغي أن نباهي بالفعال الجميلة والأخلاق الكريمة، فإياك أن تحشو رؤوس أوانيك إلا بالقطن، فذلك بالملوك أهيأ وأبهى.
قال يحيى بن أكثم القاضي: ما رأيت أكمل آلة من المأمون وجعل يحدث بأشياء استحسنها من كان في مجلسه ثم قال: كنت عنده - يعني ليلة أذاكره أو أحدثه، ثم نام وانتبه فقال: يا يحيى، انظر إيش عند رجلي، فنظرت فلم أر شيئاً، فقال: شمعة، فتبادر الفراشون فقال: انظروا، فنظروا فإذا تحت فراشه حية بطوله فقتلوها، فقلت: قد انضاف إلى كمال أمير المؤمنين علم الغيب، فقال: معاذ الله، ولكن هتف بي هاتف الساعة وأنا نائم فقال: مجزوء الكامل